تنتشر دعوى في العالم العربي مفادها أن العلمانية لا يرفضها إلا الإسلاميون، وجل الصراع الإسلام السياسي-العلماني في المجال العام قائم على دعوى رفض أحد الفريقين للعلمانية حلاً أساساً لمشاكل دولنا العربية بينما الواقع عكس ذلك، فهناك من هو غير إسلامي و يرفض العلمانية ويقدم لها بديلاً أيضاً؛ فرفض العلمانية ليس حكراً على الإسلاميين. ولتوضيح ذلك، سأختار نموذجين رافضين للعلمانية في المنطقة: أحدهما ينتمي لتيار الإسلام السياسي دون الآخر، وأوضح أوجه التشابه والاختلاف في رفضهما للعلمانية. الأول هو أستاذ العقيدة في جامعة أم القرى د.سفر الحوالي صاحب رسالة الدكتوراة التي تحمل عنوان “العلمانية: نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة”، وفي الجانب الآخر أستاذ الفلسفة في جامعة محمد الخامس الدكتور الراحل محمد عابد الجابري الذي شرح رفضه للعلمانية في سلسلة مقالات أعاد طباعتها بكتابه “الدين والدولة وتطبيق الشريعة”.
الجابري: الديمقراطية والعقلانية
يبدأ الجابري تعريف العلمانية بأنها “ترجمة غير موفقة لـ (اللايكية) بالفرنسية، ذلك لأن كلمة (لايك) لا ترتبط بأية علاقة اشتقاقية مع لفظة العلم. إن أصل الكلمة يوناني: لايكوس ومعناها ما ينتمي إلى الشعب، إلى العامة، وذلك في مقابل كليروس أي الكهنوت: رجال الدين.” أي أن الجابري في تعريفه يشدّد على أن جوهر العلمانية هو التمايز، حيث يؤكد على ذلك بقوله “والعلمانية لا تعني معاداة الدين ولا محاربته، وإنما تعني فصل ما هو دنيوي عما هو أخروي، وذلك بجعل السلطة السياسية والتعليم وجميع المرافق العامة في أيدي رجال محايدين من الناحية الدينية.”
يبدأ الجابري في أول خطوات رفضه للعلمانية في التشديد على الاختلاف في تجارب الأمم؛ ما قد يصلح لمجتمع ما في زمن ما قد لا يصلح لمجتمع آخر. حيث يدّعي الجابري أن هذه الفكرة-العلمانية-غريبة تماماً عن الدين الإسلامي وأهله. “فالدين الإسلامي قوامه علاقة مباشرة بين الفرد البشري وبين الله، فهو لا يعترف بأي وسيط، وليس فيه سلطة روحية من اختصاص فريق وسلطة زمنية من اختصاص فريق آخر.” وهذا ما يميّز السياق الذي وُلدت العلمانية فيه نتيجة لمثل هذه الضرورات. وفي حكمٌ صريح، يؤكد الجابري هنا بأنه ليس للعلمانية مبرر بل هو طرحٌ زائف ولا حاجة للعرب والمسلمين فيه، وذلك حين يقول “طرح شعار العلمانية في مجتمع يدين أهله بالإسلام هو طرح غير مبرر، غير مشروع، ولا معنى له.” أي أن الدين الإسلامي لا يحتوي على مؤسسات دينية من شأنها التوغل في حياة الأفراد ولعب دور مركزي ينطلق من الإيمان ويتوغل في مجالات الحياة باسم الدين. هذا بالإضافة الى تأكيد خصوصية ثقافية تاريخية اختص بها العرب والمسلمون وذلك أنهم لا يفهمون معنىً للفصل بين الدين والدولة، فـ المرجعية التراثية الإسلامية متضخمة بمعنى ” أن العرب إنما نهضوا بظهور الإسلام الذي مكنهم، أو تمكنوا به، من إنشاء دولة وفتح ممالك وتشييد حضارة”. ومن هنا تبدأ خارطة الجابري الذهنية والتسلسل المنطقي حتى يقف على حكم مفاده أن لا مبرر للعلمانية في عالمنا العربي.
وبعد أن ذكر أن العلمانية ليس لها مبرر لعدم وجود مؤسسات دينية في الدين الإسلامي، ينتقل الجابري لمناقشة الرأي الذي يرى ضرورة العلمانية لحل مشكلة الطائفية. ويقف في هذه المسألة وقفتين أولها تشخيصية، فيبدأ بأن الدول العربية لا تعاني كلها من مشكلة الطائفية، فلا يصح الحديث هنا عن حل يراد له التعميم في كل الأقطار العربية، و يقسم الدول العربية إلى قسمين: دول لا تعاني من طائفية دينية و دول تعاني من طائفية دينية. القسم الأول المجتمعات التي يكون فيها الدين/المذهب الواحد يشكّل الصبغة العظمى لهذا المجتمع، وإن وجدت أقليات دينية أخرى فهي لا تشكل مشاكل اجتماعية ومن ثم سياسية. وأبرزها كما يذكر دول الخليج. والقسم الثاني هي المجتمعات التي تطرح فيها إشكالية العلاقة بين الدين والدولة ؛ وهي مجتمعات تكثر فيها الأديان/الطوائف أو على حد تعبيره “توجد فيها الطائفية الدينية كمكون أساسي من مكونات المجتمع”. وأبرزها لبنان ومصر وسوريا. وهذا القسم الأخير هو من يعاني من طائفية دينية وهي التي يختبر فيها الجابري مدى جدوى العلمانية ونجاعتها في كتابه وعلى رأسها لبنان. وهنا يأتي السؤال، ما هو الحل للدول التي ترزح تحت الطائفية الدينية خصوصاً بعد محاجته عن عدم الحاجة للعلمانية؟ يجيب الجابري بأن الأقطار العربية تعاني من مشاكل عديدة ومتشابهة بطبيعة الحال وليس بالضرورة متطابقة ولكن يرى من أهمها هي مشكلة الطائفية الدينية التي تختلف حدتها من قطر إلى آخر. فالعلمانية على سبيل المثال التي نادى فيها القوميين الأوائل : ساطع الحصري وزكي الأرسوزي وبطرس البستاني للقضاء على الطائفية الدينية هي مطالبة لا تصح لأنها لا تحمل نفس الكيف والنوع في كل أرجاء عالمنا العربي وسقطت في فخ التعميم. “ذلك لأن ما يحدث في الغالب هو أن المفكر العربي عندما يفكر في مشكل قطري يخص قطراً آخر غير القطر الذي ينتمي إليه، يفكر من منظور قومي وبالتالي يسقط في خطر التعميم…. [لا حل لمشاكل الوطن العربي إلا بتبني العلمانية]. من دون شك فإن اللبناني قد يجد العبارة صحيحة، فيتخذ منها شعاراً تقدمياً نضالياً. أما المغربي، الموريتاني، أو الجزائري.. فالغالب أن رد فعلهم سيكون من قبيل طرح تساؤلات (ما هي العلمانية) أو (لماذا العلمانية)”. لذلك، يرى الجابري بأن الطائفية الدينية ماهي إلا إحدى نتائج غياب أهم ركيزة تحتاجها الأقطار العربية وهي الديمقراطية. فغياب الأخيرة هو المشترك الوحيد الذي يجب أن يعمم على كل الأقطار العربية. هنا فقط يقفز الجابري من “خصوصية” كل قطر عربي عن الآخر إلى “العموم” في هذه المسألة بالذات. “والمشكلة العامة الذي يعاني منها الواقع العربي كله من الخليج إلى المحيط هي مشكلة الديمقراطية ببعديها السياسي والإجتماعي، فإذا أخذنا في الحسبان هذه المشكلة ظهرت لنا أن مشكلة الطائفية، ومشكلة العلاقة بين الدين والدولة، مجرد نتيجة من نتائجه.”
سفر الحوالي: الإستنباط الفقهي ومقاصد الشريعة
يرى الحوالي أن ” لفظ العلمانية ترجمة خاطئة لكلمة <Secularism> في الإنجليزية ، أو <Secularite> بالفرنسية، وهي كلمة لا صلة لها بلفظ العلم ومشتقاته على الإطلاق والترجمة الصحيحة للكلمة هي [اللا دينية]أو[الدنيوية]، لا بمعنى ما يقابل الأخروية فحسب، بل بمعنى أخص مو ما لا صلة له بالدين أو ما كانت علاقته بالدين علاقة تضاد”. أي أن الحوالي-على عكس الجابري- لا يراها على أنها تمييز أو فصل بين ما هو دنيوي عن ما هو أخروي بل هي علاقة تضاد لا يستقيم أحدهم بوجود الآخر، بكلمات أخرى هي معادلة صفرية. ويكمل أيضاً في ذات المعنى “ولو قيل أنها فصل الدين عن الحياة لكان أصوب، ولذلك فإن المدلول الصحيح للعلمانية هو إقامة الحياة على غير الدين، سواء بالنسبة للأمة أو للأفراد، ثم تختلف الدول أو الأفراد في موقفها من الدين بمفهومه الضيق المحدود: فبعضها تسمح به، كالمجتمعات الديمقراطية الليبرالية، وتسمي منهجها (العلمانية المعتدلة) أي أنها مجتمعات لا دينية ولكنها غير معادية للدين، وذلك مقابل ما يسمى (العلمانية المتطرفة) أي المضادة للدين ويعنون بها المجتمعات الشيوعية وما شاكلها”.
وبذات الطريقة التي وصلنا إلى حكم الجابري من خلالها، يبدأ الحوالي بعد تعريف العلمانية بسردٍ تاريخي عن أسبابها ودوافعها محاولاً إثبات خصوصية السياق الغربي والمسافة الطويلة بينه وبين سياقنا العربي والإسلامي. فالطغيان الكنسي في السياق الغربي كان من أهم أسباب نشوء العلمانية والوساطة الروحية كان السلاح الذي استبد بالمجتمع الغربي و أذاقه الصعاب حتى أتت العلمانية حلاً وهمياً كما يراه الحوالي، حل خلصهم من الطغيان الذي وصل لأن تستطيع الكنيسة أن تفرض كل شيء بإسم الإنجيل وهي آمنة من أي معارضة ولكن وضعهم في مأزق آخر يشبه الأول ولم يكن حلاً صحيحاً كما يذكر ذلك في كتابه، بل كان من الأولى لهم “أن يبحثوا عن الدين الصحيح”. ثم ينتقل الحوالي ويناقش مسألة دينية بحته ويحاول إثبات تحريف العقيدة النصرانية وعبثيتها في إطلاق الأحكام،”كان الختان واجباً فأصبح حراماً، وكانت الميته محرمة فأصبحت مباحة، وكانت التماثيل شركاً ووثنية فأصبحت تعبيراً عن التقوى..[..] وأمور كثيرة نقلتها المجامع من الحل إلى الحرمة أو العكس دون أن يكون لديها من الله سلطان أو ترى في ذلك حرجاً”. ولن أطيل في هذه النقطة-محاكمة العقيدة النصرانية-ولكن من المهم ذكرها كونها أحد أهم الأسباب في رأي الحوالي وراء العلمانية، أي أنه لم تكن لتظهر العلمانية قط لو كانت عقيدتهم صحيحة ويشدد كثيراً في هذا المعنى ويقول بأن “هذه الفروق الجوهرية الكبرى بين الإسلام والديانة الكنسية-عقيدة التثليث والشعائر النصرانية-وبين تاريخه وتاريخها تقدم إجابة ضخمة ساطعة”.
ويسمي الحوالي من ابتكر العلمانية وسوّق لها “القوى الشيطانية الخفية”، والمقصود بذلك هم اليهود ويستشهد بالبروتوكولات-أشهر الكتب التي اعتمدت على نظرية المؤامرة ونوقشت من قبل عبدالوهاب المسيري-لإثبات أنهم من خطط للثورة الفرنسية والعلمانية ومحاربة الدين والتغرير بالمجتمعات الغربية. فلا ينفك الحديث عند ذكر اليهود عن الاستشهاد بالبروتوكولات أو التلمود بتأويله الخاص. ولك يتلقف المجتمع الغربي دعاوي اليهود وشعاراتهم من قبيل “حرية، مساواة، عدالة إجتماعية” إلا نتيجة احتكاكهم بالعالم الإسلامي وملامستهم للعدل والمساواة عند المسلمين. والسبب الآخر وراء العلمانية هو الثورة الفرنسية، الثورة التي انفجرت بسبب الظلم الذي فتك بالمجتمعات الغربية وكان نتيجة لتحريف العقيدة النصرانية والطغيان الكنسي باسم الدين. بيدا أنه كان هناك دين آخر على مقربة من فرنسا وتحديداً بالأندلس. الأندلس التي أتاها الإسلام “فنسف هذه الفكرة من أساسها ورد العبودية كلها لله وفرض على الحكام تبعات ومسؤوليات تناسب مركزهم في الأمة، فرأى الناس في أنحاء المعمورة الولاة المسلمين يرعون مصالحهم وينهضون بأعباء المسؤولية كاملة في الوقت الذي لا يتميزون فيه عن الأمة بكبير فرق”. فتلك الثورة التي أتت في وجه الإقطاع وفي مواجهة أكبر الإقطاعيين آنذاك-الكنيسة-كانت نقطة التحول في القارة الأوروبية، عندما أشرقت الشمس على أول “دولة جمهورية لا دينية.
إذا كانت العلمانية ليس لها مبرر في العالم الإسلامي بسبب عقيدتهم الصحيحة كما يدّعي الحوالي، فلماذا ظهرت وانتشرت الدعوة لها بين المثقفين العرب؟ يجيب الحوالي بأن السبب خلف تلك الدعاوى هو “إنحراف الأمة الإسلامية” على مستوى فهم الإسلام نفسه وحب الدنيا نتيجة لهذا القصور في الفهم. ويسهب بعد ذلك في مظاهر الإنحراف على حد تعبيره الذي كان سبباً لتداول العلمانية في العالم الإسلامي كإنحراف مفهوم الألوهية والإيمان بالقدر والجمود الفقهي الذي عجز عن إستيعاب الحياة. “كما أن العلمانية ظهرت في أوروبا نتيجة لتحرير الدين النصراني فقد ظهرت في العالم الإسلامي نتيجة انحراف المسلمين.” والسبب الثاني هو التخطيط اليهودي-الصليبي للقضاء على الأمة الإسلامية، عن طريق الإحتلال والمبشرين والمستشرقين. بعد ذلك يجيب الحوالي على سؤال الحاجة للعلمانية في عالمنا العربي/الإسلامي بأن العلمانية “بضاعة مستوردة” و وُجدت في سياق بعيد كل البعد عن السياق الإسلامي ولم توجد بالأصل إلا لتمثيل محاولة بائسة للإفتكاك من الظلام الحالك في أوروبا، فنجد الحوالي بعد هذا السرد ينتهي إلى حكم بديهي، عندما يقول “وبتطبيق هذه البدهية على العلمانية نجد أنها بضاعة نحن في غنى تام عنها، أي انه من الحمق والغباء أن نستجلبها حتى وأن كانت نافعة ومجدية بالنسبة للمجتمعات والظروف التي أنتجتها”. فهي كما ذكرنا سابقاً رد فعل خاطئ لدين محرف وعقيدة باطلة، فإذا كان ديننا صحيح وعقيدتنا متينة كما يعبّر فلا يوجد هناك من مبرر ولا حاجة للعلمانية، أما الحل الذي يقترحه الحوالي هو العودة إلى الدين الإسلامي الصحيح وتطبيق تعاليمه والسعي وراء مقاصده حتى ينعم العرب والمسلمين بتقدم ونهضة بعد تحقيق سبل العيش الكريم تحت ظل الحكم الإسلامي الرشيد.
نحو فهم أكثر دقة لإشكالية العلمانية
اتفاق الجابري والحوالي في حكمٍ ما لا يعني التوافق التام في الوصول إليه. عرّف الحوالي العلمانية بتعريف كان مفاده ما يقابل الدين أو ما كان معه في علاقة تضاد دائمة بل إنه في كثير من الأحيان كان يدلل بأن الإلحاد لم تكن له شرعية قبل الثورة الفرنسية بكلمات مثل “وجد الإلحاد في العالم الغربي المسيحي قبل داروين فقد أباحت الثورة الفرنسية حرية الإلحاد تحت شعار (حرية الاعتقاد)”. أيضاً في تعبيره بولادة “أول دولة جمهورية لادينية” كما تقدّم. أي أن العلمانية كانت الصبغة الشرعية للإلحاد والقضاء على الدين وكأنها ثنائية هدامة، كل منهما يهدم الآخر. بينما قام الجابري بتعريف العلمانية أنها تمايز، وابتعد عن مصطلح “فصل” لتمييز ما هو زمني وديني أو حاضرٌ معلوم عن الغيبي وأوضح أيضاً الميادين المقصودة من العلمانية مثل : التعليم والصحة والمجال العام وإدارة شؤون المجتمع في الوقت الذي أكد فيه الحوالي على شمولية العلمانية التي تفرّغ الحياة بشتى مجالاتها من الدين وتحاربه وتقصيه أينما وجد. واقترب الاثنان في في أسباب نشوء العلمانية مع انفراد الحوالي بـ”المؤامرة اليهودية الصليبية”.
وفي الإجابة على سؤال مبرر للعلمانية في عالمنا العربي كانت حجيّة أحدهم تثبت اختلافهم الواضحٌ والبيّن، فبعد أن اتفق الطرفان على زيف دعوى العلمانية وانعدام الحاجة لها لغياب دواعي ذلك وخصوصية السياق العربي/الإسلامي مثل غياب السلطة الروحية لرجال الدين والإرث الإسلامي العظيم في الذاكرة العربية؛ انفرد الحوالي مرة أخرى في موضوع صحة العقيدة/الدين الإسلامي وبطلان العقيدة النصرانية، ورأى أن الالتزام بالعقيدة الإسلامية وتعاليمها هو الحل بينما رأى الجابري أن التمسك بالديمقراطية والعقلانية هو الحل وأكد مطالبته بـ “إعادة تأسيس الفكر القومي على مبدأي الديمقراطية والعقلانية، بدلاً من العلمانية”.
ختاماً، منذ سقوط الخلافة العثمانية وقيام الدولة الحديثة في المنطقة، يتم تفسير الصراع الأزلي في الميدان العمومي العربي على أنه حرب بين الاسلاميين والعلمانيين ، بين ما يسمى قوى التقدم والتخلّف، بين من يرفض الحداثة ومن يروّج لها ومنتوجاتها وعلى رأسها العلمانية، بين تلك العلمانية التي أضحت شرطاً و حجر أساس للتقدم ، وتلك التي أضحت أصل كل التبعية والانهزام، وسط تعصّب أعمى من الطرفين لما يعتقده الأول حراسةً للدين وحفظه في مقابل من يرى ضرورة تحييده أو إقصاءه شرطاً للنهضة. الأمر الذي يحول هذا النقاش في كثير من الأحيان إلى صراع هويّاتي. حاولت هذه المقالة التأني في تداول الآراء حول مفهومٍ العلمانية الشائك وتبيّن أن رفضها ليس حكراً على الإسلاميين بل أنه قد طال مفكراً عربياً كبيراً لا ينتمي للإسلام السياسي وهو محمد عابد الجابري في حجةٍ حاولنا فهمها ومقاربتها مع حجة الشيخ سفر الحوالي. ومثل هذه المقاربات تستدعي منا الوقوف ملياً على تلك المفاهيم الحديثة كالدولة والعقلانية والديمقراطية وتداولها بعيداً عن هذه الثنائيات التي لا تبرع إلا في شحذ هذا الصراع الهويّاتي بعيداً عن أي نقاش جدّي لما يعانيه الوطن العربي من مشكلات حقيقية.