في يوم الجمعة، ١٥ مارس ٢٠١٩م، في تمام الساعة الواحدة و٤٠ دقيقة ظهرا بتوقيت نيوزلندا، تعرّض مسجدان لهجومين مسلحين في مدينة كرايست شيرش راح ضحيتهما ما لا يقل عن الخمسين شخصا من المصلين. قام القاتل، واسمه برينتون تارانت، بتصوير الحادثة وبثها بشكل مباشر على الإنترنت، كما قام برفع منشور على الإنترنت يشرح فيه أفكاره والأسباب التي دفعته لارتكاب هذه الجريمة. مع انتشار خبر الجريمة والتغطية العالمية لها، جاءت ردات فعل المعلقين في الفضاءات العربية العامة، كما هو متوقع بعد حادث بشع وصادم كهذا، مسيسة ومؤدلجة بشكل كبير. بعض النقاشات تركزت حول مسألة “هل نصنف هذا الفعل بإرهابي أم لا؟”، وبعضها الآخر اهتم بعقد مقارنات بين هذا النوع من الجرائم وبين الجرائم المماثلة التي ترتكبها تنظيمات باسم الإسلام وسؤال: “هل الجريمة المدفوعة بنص ديني أخطر من تلك المدفوعة بعنصرية وما شابه؟”. والبعض الأخير انشغل بفضح نفاق الإعلام الغربي وتغطيته غير المتوازنة لهذا الحدث والأحداث التي يقوم بها مسلمين. ويضاف إلى ذلك أن الاصطفافات السياسية والأيديولوجية وحالة الاستقطاب الحادة االمنتشرة في فضاءات النقاش والطرح العربية انعكست على التعليقات والنقاشات التي انشغلت أكثر بالطرق التي يمكن توظيفها لدعم هذا التوجه أو ذاك.
والغائب داخل هذه النقاشات هو محاولة فهم وتفسير الحادثة: ما الذي دفع برينتون تارانت للقيام بما قام به؟ ولعل سبب هذا الغياب هو افتراض أن الإجابة واضحة ولا تحتاج لتفتيش وبحث: العنصرية، الكراهية، أو التطرف. ورغم شيوع وانتشار هذه الإجابة، إلا أنها مضللة وتحجب أكثر من كونها تكشف وتشرح. فهي تترك الكثير من الأسئلة بلا جواب، فمثلا: هناك الكثير من العنصريين والمتطرفين، لماذا لم يلجؤوا كلهم للعنف؟ والعنصرية قديمة فلماذا الآن؟ والعنصرية في كل مكان فلماذا في نيوزلندا؟ وحتى بين العنصريين الذين لجأوا للعنف نجد أن هناك اختلافات في الأهداف: فبعضهم يهاجم حكومته ومؤسساتها، وبعضهم يهاجم السود، وبعضهم يهاجم اليهود، وبعضهم يهاجم المسلمين. فكيف نستطيع فهم هذه القرارات؟ أعني قرار التحول من الاقتناع بمشروع فكري أو سياسي إلى اللجوء للعنف لتنفيذه، وقرار تحديد الهدف الذي سيوجه إليه هذا العنف.
إن الإجابة على هذه الأسئلة صعبة، ذلك أن هذه الأحداث التي نحاول فهمها لا تنفذها تنظيمات بل أفراد. ودراسة سلوك الفرد ومحاولة فهم تحولاته وتقلباته أصعب بكثير من دراسة سلوك المؤسسات. ولهذا السبب، فما سأقوم في هذه التدوينة هو تقديم أجوبة على هذه الأسئلة عبر استعادة السياقات التي تحرك وعمل وفكر من خلالها برينتون تارانت. فاستعادة هذه السياقات تساعدنا على فهم كيف لشخص عادي، يمكن أن يكون أي شخص منا، أن يقوم بفعل مثل هذا. وبعد استعادة هذه السياقات، سأختم التدوينة بإبداء مجموعة ملاحظات على المنشور الذي خلفه القاتل وراءه. وقبل البدء بعمل هذا، يجب الإشارة إلى أن السعي نحو “تفسير” و”فهم” سلوك معين مثل سلوك القتلة والمجرمين والإرهابيين لا يقتضي “تبريره”. فعندما نقول أن سارقا سرق لأنه جائع، فهذا تفسير. لكن عندما نقول أننا يجب ألا نعاقب من يسرق لأنه جائع، فهذا تبرير. هذه التدوينة هدفها الفهم والتفسير باعتماد وسائل وأدوات تحليلية، وهي تفعل ذلك بالإبتعاد قدر الإمكان عن إصدار أحكام معيارية.
السياق المحلي للحادثة: الإسلام في نيوزلندا
الترجمة العربية الحرفية لمدينة كرايست شيرش التي وقع فيها الهجوم هو كنيسة المسيح. وكما هو معروف، فإن نيوزليندا تنقسم إلى جزيرتين رئيستين: شمالية وجنوبية حيث تقع كرايستشيرش على الساحل الشرقي من الجزيرة الجنوبية. وتعتبر المدينة ثالث أكبر مدينة في البلاد من حيث عدد السكان والأكبر في الجزيرة الجنوبية. كما أنها عاصمة مقاطعة كانتربري إحدى مقاطعات نيوزلندا الستة عشر. وعدد سكان المدينة حوالي ٣٨٨ ألف نسمة، ونسبة ذوي الأصول الأوروبية منهم هو ٨٣٪ في حين أن الآسيوين ٩.٤٪ و٨.٥٪ من المآوري والذين كانوا يعيشون في نيوزلندا قبل احتلال البريطانيين لها، أما البقية القليلة فمن أماكن متنوعة من العالم.
في عام ٢٠١٣م، قُدّر عدد المسلمين في نيوزليندا بـ٤٦ ألف نسمة (٢٦ ألف منهم آسيويين، و١٢ ألف من الشرق الأوسط، و٤ آلاف أوروبيين، وألف من المآوري وألف من المحيط الهادي) وهو ما يقارب 1٪ من إجمالي السكان. في كرايستشيرش نفسها، يقدر عدد المسلمين بـ٣٠٠٠ نسمة، أي ما نسبته ٠.٧٪. ويعتبر مسجد النور الذي تعرّض للهجوم أقدم مسجد إسلامي في المدينة، بل ربما في الجزيرة الجنوبية كلها، وحتى فترة قريبة كان يعتبر أبعد مسجد عن مكة في نصف الكرة الجنوبي ولم يتفوق عليه إلا مسجد جديد، اسمه مسجد الهدى، بني في جنوب الجزيرة في مدينة دونيدن حيث كان يقطن القاتل وهدفه الأول قبل أن يغير رأيه. أما المسجد الثاني فهو حديث، وقد كان بالأصل كنيسة، تم شراؤها وتحويلها إلى مسجد قبل سنة.
يعود بداية التواجد الإسلامي في نيوزيلاندا إلى بدايات القرن العشرين مع مهاجرين هنود وصلوا إلى عاصمتها أوكلاند وافتتحوا محلات تجارية، بالإضافة لمهاجرين آخرين من الهند وتركيا وصلوا إلى كرايست شيرش. إلا أن هذه الهجرات من آسيا توقفت في سنة ١٩٢٠م عندما تبنت نيوزلندا سياسة جديدة لاستقبال المهاجرين عرفت باسم “برنامج نيوزلندا البيضاء” والذي قام بمنع استقبال الهجرات من آسيا وحصرها فقط بأوروبا، وهو القانون الذي استمر العمل به لأكثر من ٥٢ سنة حتى عام ١٩٧٤م.
والمفارقة في تاريخ المسلمين في نيوزلندا أن أوائل المسلمين الذين سيلعبون دورا كبيرا في تأسيس الجمعيات والمؤسسات الإسلامية قدموا لنيوزلندا من أوروبا وتحت مظلة هذا البرنامج الذي يسعى للحفاظ على “بياض” نيوزلندا. ففي عام ١٩٥١م، بعيد الحرب العالمية الثانية، وصل إلى نيوزلندا قرابة خمسين لاجئا مسلما من البوسنة وألبانيا. بعد ثمان سنوات من وصولهم، قاموا مع المسلمين الموجودين مسبقا من الهند بالانخراط في الجمعية الإسلامية الحديثة الولادة وهي “جمعية مسلمي نيوزيلندا” ولعل أشهر شخصيات المسلمين الأوروبيين هما مظهر شكري كراسنيقي ونظمي محمد. في السبعينات تأسست جمعية أخرى في الجزيرة الجنوبية من نيوزلندا في مدينة كرايست شيرش وبدأت هذه الجمعية بالتنسيق مع الجمعية السابقة لينتج عن هذا التفاهم “اتحاد الجمعيات الإسلامية” في نيوزلندا والتي ستكون المظلة التي ستتعاون تحتها كثير من المراكز والجمعيات الإسلامية في نيوزلندا والتي سيكون من بينها المسجدان الذان تعرضا للهجوم.
القاتل والجذور الفكرية لمنشوره “الإستبدال العظيم“
ولد برينتون تارانت في مدينة اسمها جريفتون في عام ١٩٩١م. تقع جريفتون في جنوب شرق أستراليا وهي بلدة صغيرة في ولاية نيو ساوث ويلز حيث نشأ برينتون فيها ودرس في مدارسها وعمل فيها مدربا في ناد للياقة حتى عام ٢٠١١م. في هذه السنة، وهو في سن العشرين، توفي والده بسبب السرطان وعمره ٤٩ سنة. بعد ذلك قرر برينتون بيع ما لديه من استثمار في عملة إلكترونية اسمها بيتكونيكت ورحل متنقلا في بلدان العالم لمدة ستة سنوات، زار فيها أوروبا وتركيا وباكستان واليابان وكوريا الشمالية وغيرها من البلدان. من بين الإنطباعات التي تركها عن رحلاته أنه أثناء إقامته في باكستان، وصفها بقوله “بلد مدهش مليء بأشخاص من أكثر الناس طيبة وكرما في العالم”. في لحظة ما في عام ٢٠١٧م تقريبا، قرر برينتون تارانت الاستقرار في مدينة ديودن جنوب الجزيرة الجنوبية في نيوزلندا، سجل في ناد للرماية للتدرب على إطلاق النار، و في سبتمبر من عام ٢٠١٧م قدّم على رخصة حمل أسلحة، بعد شهر، وصل إلى بيته فريق من الشرطة للتأكد من ملائمته للحصول على الأسلحة، وبعد المقابلة تمت الموافقة على منحه الرخصة في شهر نوفمبر. بعد حصوله عليها، دخل على موقع شركة ” التي اشترى من خلالها، وبشكل قانوني، كل الأسلحة التي استخدمها في عمليته.
قبل قيامه بالعملية، قام برينتون برفع ملف يشرح فيه دوافعه ونظرته للعالم وماذا يتوقعه من العملية. عنوان الملف هو الإستبدال العظيم. وهو عنوان مأخوذ من نظرية مؤامراتية لكاتب فرنسي اسمه رينو كامو الذي اعتبر أن الهدف الحقيقي من سياسة استقبال المهاجرين في فرنسا، وأوروبا، من العالم العربي وأفريقيا هو استبدال المواطنين البيض الفرنسيين، والأوروبيين، بالعرب والأفريقيين. يذكر عبدالرحمن عبدالسلام في بحثه المعنون بـ”شيطنة الشتات المسلم في الروايات الفرنسية: روايات (خضوع) و(الأخ الصغير) كحالات دراسية“ أن فرنسا كانت تعاني من نقص في اليد العاملة من نهاية القرن التاسع عشر، وأنها تعاقدت مع دول أوروبية لتزويدها بالعمالة المهاجرة، إلا أنه بعد استقلال الجزائر بدأت فرنسا بالتوجه لمستعمراتها السابقة لتزويدها باليد العاملة. وكانت الأجيال الأولى من هذه العمالة معزولة عن بقية المجتمع بسياسات إقصائية وعنصرية، ولكن في عام ١٩٨٣ قام المهاجرون العرب باحتجاجاتهم الشهيرة التي سميت “الزحف من أجل المساواة ومناهضة العنصرية” مما دفع بقضيتهم وموقعهم لأن يصبح مشاهدا وموضوعا للنقاش والصراع بين كافة الفرقاء في فرنسا. ومع ذلك، ضلّ الحديث عن وجود تمييز عرقي، أو حتى عن وجود هويات فرعية غير الهوية الفرنسية، يعتبر أشبه بالتابو في فرنسا إلى أن بدأت أعمال الشغب في عام ٢٠٠٥ التي فجّرت موضوع العنصرية والتمييز التي يعاني منها المهاجرون ودفعت به للواجهة. يقول عبدالسلام، أنه ضمن هذا السياق من سياسة استقبال المهاجرين ومعاملتهم بشكل عنصري في الداخل واحتجاجهم على الظروف التي يعيشون فيها، بدأ مجموعة من المثقفين والأدباء الفرنسيين بتطوير خطاب حول هذه الحالة تطوّر شيئا فشيئا لينتهي إلى نظرية “الاستبدال الكبير”.
يجد عبدالسلام جذور هذه النظرية في رواية معسكر القديسين للفرنسي جون رازبيل التي تحدثت عن هجوم كبير من بواخر الشحن المحملة بمهاجرين من العالم الثالث والتي كتبت في السبعينات الميلادية، إلا أن التفجّر الحقيقي لهذا الخطاب كان في منتصف الثمانينات مع صعود حزب الجبهة الوطنية الفرنسية ومسيرة المهاجرين ضد التمييز، حيث رصد آنتونيس إليناس في كتابه الإعلام وأقصى اليمين في أوروبا الغربية: اللعب بورقة الوطنية تحولا في خطاب شريحة من الساسة والمثقفين والإعلاميين الفرنسيين، حيث بدأ الحديث عن “غزو” المهاجرين وتهديدهم للهوية الفرنسية والربط بينهم وبين الجريمة. ولعل المثال الأشهر هو كتاب آلين جروتاري، المكتوب في عام ١٩٨٤، المهاجرون…الصدمة الذي قدّم مشكلة اللاجئين بلغة ثقافوية وأنها نابعة من صدام بين علمانية فرنسا وإسلام المهاجرين وليس باعتبارها نتيجة لفشل الدولة الفرنسية في إدماج من استقبلتهم في أراضيها بشكل قانوني.
كانت هذه البدايات لشيطنة المهاجرين والتحذير من المسلمين منهم تصاغ ضمن خطاب وطني حتى جاءت الكاتبة بات يعور لتمنح هذا الخطاب بعدا حضاريا وثقافيا وربطته بالهوية الأوروبية العابرة للدولة الوطنية. ولدت يعور في مصر بين مجتمع اليهود المصريين، ثم انتقلت لبريطانيا لاجئة بعد العدوان الثلاثي على مصر، وتعتبر من أكثر الأشخاص تأثيرا في تطوير هذا الخطاب الجديد المعادي للمهاجرين المسلمين واستحداث مفاهيمه. أهم هذه المفاهيم هو مصطلح “الاستذمام”- على وزن الاسترقاق- والذي استلهمته من كلمة ألقاها زعيم حزب القوات اللبنانية إبّان الحرب الأهلية اللبنانية بشير الجميل يوم اغتياله، والمقصود بالمصطلح أن الإسلام يدفع أتباعه للسعي باتجاه إخضاع أتباع الديانات الأخرى وتحويلهم إلى أهل ذمّة، وهذا المصطلح تم التقاطه في التسعينيات الميلادية من قبل الميليشيات الصربية في الحرب الطاحنة التي نشبت في يوغسلافيا السابقة، ومن هناك انتقل وتعمم، خصوصا بعد الحادي عشر من سبتمبر، في دوائر معادي المهاجرين المسلمين. أما المصطلح الآخر الذي نحتته بات يعور والذي سيلعب دورا أكبر في تطوير نظرية الاستبدال الكبير فهو مصطلح “أورابيا”. ومصطلح “أورابيا” مركب من كلمتين: أوروبا وآريبيا (الكلمة الإنجليزية لجزيرة العرب). ففي كتابها أورابيا: المحور الأوروبي-العربي ذكرت أن هناك خطة سرية بين الحكومات العربية والأوروبية لأسلمة وتعريب أوروبا واستذمام أهلها ونسخ ثقافتها وتراثها. ويرى رضا ضياء إبراهيمي أن هذه النظرية تلعب دورا مماثلا للدور الذي لعبته نظرية المؤامرة المغروسة في بروتوكولات حكماء صهيوني والتي غذت الخطاب المعادي للسامية في أوروبا لفترة طويلة. وأيا يكن الأمر، فإن هذه النظرية انتشرت وتعممت وكانت مصدر إلهام وتأثير لآندري بريفيك الذي اقتبس منها في منشوره الذي نشره بعد ارتكابه لهجومه الكبير في النرويج عندما فجر مبنى الحكومة وأطلق النار على مخيم صيفي شبابي تابع لحزب العمّال النرويجي راح ضحيته أكثر من سبعين شخصا. وهي العملية التي ستكون باكورة الأعمال الإرهابية الجديدة ضد المهاجرين بشكل عام والمسلمين بشكل خاص.
بالإضافة لبات يعور، نجد أن هناك كثيرا من الكتب في دول أوروبية أخرى حققت كثيرا من النجاح مستثمرة مشاعر الخوف والرعب من المهاجرين المسلمين وذلك في الرصد الذي قدمه الإيطالي فابيو بيروكو في بحثه خطاب الإسلاموفوبيا المعادي للمهاجرين في أوروبا: الجذور الاجتماعية والأساليب والفاعلين حيث سرد أمثلة كثيرة على الكتب الأكثر مبيعا وعلى تشكّل نوع من الأدبيات الخاصة لهذا النوع من الخطاب في كل أرجاء أوروبا. ففي ألمانيا، حقق كتاب ألمانيا تبيد نفسها الصادر عام ٢٠١٠ مبيعات كبيرة حيث قدم نفس القصة حول كيف أن سياسات الهجرة والمهاجرين المسلمين سينهون الوجود الألماني ويحولون ألمانيا إلى بلد مسلم. وفي إيطاليا، كتبت الصحفية الإيطالية أوريانا فاليسي عدة كتب معادية للإسلام والمهاجرين والمحذرة من خطرهم على أوروبا وثقافتها مثل كتابها الغضب والعزّة. وبالعودة إلى بريطانيا، نجد أنه في ٢٠٠٦م كتبت الصحفية البريطانية ميلاني فيليبس كتابها الذي حقق مبيعات كبيرة وعنوانه لندن-ستان: كيف تخلق بريطانيا دولة إرهابية داخلها؟ والذي حمل نفس الأفكار عن خطر الإسلام والمهاجرين. وضمن هذا السياق نشر الفرنسي رينو كامو نظرية “الاستبدال الكبير” والتي -كما بينا- مفادها أن سياسة استقبال المهاجرين العرب والافارقة من البلدان ذات الأغلبية المسلمة وكثرة الإنجاب بينهم مقارنة بقلّة الإنجاب عند البيض في أوروبا سيؤدي في نهاية الأمر لأن يحلّ هؤلاء المهاجرون مكان البيض. وداخل هذا الخطاب المكثف والمنتشر والمتنوع يتحوّل المهاجر من كونه شخصا تم استقباله بشكل قانوني من قبل الحكومة المنتخبة من الشعب إلى جندي محتل ضمن جيش من الغزاة تم تسهيل قدومه من قبل حكومة متآمرة وغير شرعية ويجب مقاومته بكل الوسائل المتاحة.
وهذه الأفكار التي تم نشرها في الكتب جاء الإنترنت ليمنحها زخما وانتشارا أكثر. فعبر منتديات ومدونات ومواقع متعددة على شبكة الإنترنت تشكّل ما سيعرف فيما بعد باسم حركة مواجهة الجهاد. ففي ورقته المعنونة بـ”يوم في (المستنقع): فهم خطاب مواجهة الجهاد على الإنترنت” يرى بنجامين لي أن خطاب هذه الحركة يتميز بعدة خصائص: فبالإضافة لنظرية المؤامرة الرئيسية التي تتبنى مفاهيم أورابيا والاستبدال الكبير وغيرها، فإن المنتمين لهذه الحركة لا ينظرون لأنفسهم كمواطنين لدولهم الوطنية بل منتمين لهوية كبرى عابرة للدولة اسمها أوروبا. فالهوية الأوروبية هنا تقدم باعتبارها هوية ثقافية حضارية مقابلة ومتمايزة ومتفوقة على الثقافة والديانة الإسلامية. وهذه الهوية العابرة للدولة ما كان لها أن تتشكل وتتعمم لولا الإنترنت الذي يتيح للمنتمين لهذه الحركة أمرين: أما الأول فهو القدرة على التعبير عن آراؤهم ونشرها بشكل فردي – عبر مدونة أو منتدى أو مواقع التواصل الاجتماعي- وحر ، أي بدون الحاجة لموافقة فريق تحرير في مجلة أو صحيفة تسعى للربح وحماية سمعتها والاستجابة للثقافة السائدة في البلاد. أما الأمر الثاني فهو القدرة على التواصل مع من يماثلهم في المجتمعات الأوروبية الأخرى وذلك بتكلفة قليلة جدا وبمجهود بسيط وبشكل عميق. والمواقع والمدونات المشهورة ضمن هذه الحركة هي أبواب فيينا و مرصد الجهاد وجريدة بروكسل وغيرها. وازداد هذا الأمر تعقدا مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي تملك القدرة على خلق ثقافة كاملة فرعية تحيط بالفرد بشكل كامل: أغاني، مقاطع فيديو، تغريدات، تدوينات في الفيسبوك، مقالات، ألعاب، علاقات، تواصل، سخرية، ميمات، أعداء، حلفاء، تنمر وتزداد تعمقا بواسطة خوارزميات مبرمجة على معرفة اهتماماتك والبحث عما يشابهها واشباعك منها لتبق متسمرا أمام شاشة هاتفك. أما الخاصية الأخيرة، فهو أن التركيز على الإسلام والمسلمين في أوساط هذه الخطابات بدأ شيئا فشيئا يحل محل معاداة السامية. يقول أحد كبار المؤثرين في هذه الحركة: “إن نظرية المؤامرة اليهودية التي كانت منتشرة في ثلاثينات القرن الماضي ليست إلا كذبة، أما الخطر والمؤامرة الإسلامية فهي حقيقة وواقع”. وهذا يعني أن هذه الحركة ليست بالضرورة عرقية – وإن كانت لا تتعارض مع نظريات التمايز العرقي وقادرة على احتواءها- في خطابها ولا يمينية إذا فهمنا اليمين بالمعنى الاقتصادي الرافض لسياسات الرفاه الاجتماعي وتدخل الدولة في السوق. بل نجد بعض أصحابها متمسكون في تبنيهم لثقافة حقوق الإنسان وبعض أشكال اللبرالية. أي أن ما يجمع المنتمين لهذا التيار ليست عقيدة سياسية شاملة بل مجرد قبول أطروحة خطر المشروع الإسلامي المحيق بأوروبا وأن النخب الحاكمة في أوروبا متواطئة فيه وأن مواجهته ضرورية يجعلك ضمن هذا التيار الواسع أيّا كانت آراءك في القضايا الأخرى.
وقبل أن نختم الحديث عن الجذور الفكرية لهذا الخطاب، لا بد ألا ننسى السياق الأكبر الموّلد للمخاوف والتحيزات التي يتغذى عليها هذا الخطاب ويعتاش عليها، وهو سياق: الحرب العالمية على الإرهاب. ورغم أن حكومات العالم تسارعت في الانخراط في هذه الحرب ضد الإرهاب، ورغم اتفاقها أن هذا الإرهاب مرتبط بكيفية ما بالإسلام والمسلمين، إلا أن هذه الحكومات لم تتبن تعريفا متجانسا لما تقصده بالإرهاب. فمجموعة من الدول تعتبر الجماعات والحركات الإسلامية هي المقصودة بالإرهاب، لكنها تختلف حول أي هذه الجماعات والحركات. فمن هذه الدول من يقسّم الحركات الإسلامية لقسمين: حركات متطرفة (بعضها أو غالبها أو كلها إرهابية) وحركات معتدلة وذلك بناء على الأسلوب الذي تعتمده في تحقيق أهدافها السياسية: هل تستخدم العنف أم لا؟ وهناك من هذه الدول من لا تفرق بين هذه الحركات وتصنفها كلها على أنها إرهابية. وهناك مجموعة أخرى من الدول من يوسع مفهوم الإرهاب ولا يحصره فقط بالحركات والتنظيمات والمنتمين إليها بل يضمّ إليه جماعات وشعوب، مثلما يحدث في آسيا اليوم: فحكومة بورما توظف خطاب محاربة الإرهاب ضد سكانها الروهينجا لتبرير برنامج التطهير العرقي الذي تقوم به، أما حكومة الصين فهي تحتجز قرابة المليون مسلم في مخيمات وتخضعهم لعمليات تعليم وتثقيف ممنهجة لتخليصهم من الإسلام، حيث تذكر التقارير أنه يتم إجبارهم على إعلان كفرهم بالإسلام وانتقاد عقائده ثم يجبرون على ترديد شعارات وأهازيج النظام الشيوعي وكذلك يتم إجبارهم على أكل الخنزير وشرب الخمر. فالخطاب العالمي لمحاربة الإرهاب أصبح من أفضل الخطابات العالمية التي يمكن للدول توظيفها للفرار من محاسبة خطاب عالمي آخر وهو خطاب حقوق الإنسان، بحيث يصبح هذا الأخير وغالبية المؤسسات والمنظمات والدول التي تتبناه غير قادرة على حماية المسلمين أو الإسلاميين من بطش الدول التي ترفع في وجههم خطاب محاربة الإرهاب كمبرر لإجراءاتهم وسياساتهم القمعية وغير القانونية. وفقط ضمن هذا الجوّ العالمي المحموم الذي تتنافس فيه الدول على توسيع وتضييق معنى الإرهاب الإسلامي بطريقة تجعل من كل مسلم في العالم مشتبه به حتى يثبت العكس، يتم توليد جمهور كبير راغب في استهلاك الخطاب الذي وصفناه في الفقرات السابقة.
القاتل وجذور تكتيك الذئب المنفرد
هناك فرق بين أن يقتنع المرء بخطر المهاجرين المسلمين على الثقافة والمجتمع الأوروبي وأن يعتبرهم غزاة وأن يتحسس من تناسلهم السريع ويرى أنه سيجعلهم يأخذون مكان الأوروبيين وبين أن يلجأ لاستخدام العنف بسبب هذه القناعة. فالعلاقة بين القناعة والسلوك ليست بسيطة ومباشرة. إذ لو كانت، لكان عدد القتلة والعمليات كبير جدا بعدد المقتنعين بهذه القناعات. لهذا فإن الإنتقال من القناعة بالخطر إلى هذا الفعل المحدد يحتاج لتفسير آخر غير تتبع الجذور الفكرية لهذه القناعة. فكما وضحنا أعلاه، فإن هناك الكثيرون في أوروبا من أحزاب سياسية ومفكرين ومثقفين وقراء من المقتنعين بهذه القناعة التي تعتبر سياسات الهجرة التي تستقبل المسلمين كمهاجرين بمثابة خطر كبير على الوجود والهوية والثقافة الأوروبية، لكن عدد الذين لجأوا منهم للعنف قليل جدا. الكثير منهم اختار أسلوب “نشر الوعي” عبر الكتابة والدعاية ووسائل الإعلام، وكثير منهم اختار أسلوب التغيير من داخل النظام الديمقراطي وعبر معركة الصندوق وبشكل سلمي. فعلى سبيل المثال، المدوّن النرويجي الذي يكتب تحت الاسم الوهمي فجوردمان وأحد أكثر المؤثرين في صفوف حركة مواجهة الجهاد والمتأثر بشكل كبير بأطروحات بات يعور حول الاستذمام وأورابيا كانت كتاباته مصدر تأثير كبير على تفكير النرويجي الآخر آندري بريفيك منفذ العملية السابق ذكرها حيث اقتبس هذا الأخير منه أكثر من مائة مرة. لكن فجوردمان لم يدعو لحلول عنيفة من خارج الدولة بل اقتصر نشاطه على توجيه مطالبات للدول الأوروبية بطرد كل المسلمين من أوروبا لإيقاف مخطط أسلمة أوروبا.
إن الجذور التاريخية والسياق العام للتكتيك الذي اتبعه برينتون تارانت لمواجهة ما يتصوره خطرا تختلف عن جذور وسياقات تطور هذا التصور نفسه. ففي أدبيات العنف السياسي، يصنف هذا التكتيك الذي اختاره تارانت بأنه نوع من أنواع الإرهاب وهو تكتيك الذئب المنفرد. إن مصطلح الإرهاب مصطلح مسيّس بشكل كبير، ويجعل من استخدامه وتوظيفه في أي كتابة تحليلية مسألة صعبة. لهذا ففي هذا السياق، يعني الإرهاب أي شكل من أشكال العنف الذي يهدف لإيصال رسالة سياسية. فالهدف من الإرهاب ليس القتل أو الدمار بل إن هذا القتل والدمار هو وسيلة لإيصال رسالة سياسية لمجتمع أكبر. فالمقولة الشهيرة تقول “اقتل شخصا لترهب ألفا”. والعمليات الإرهابية عادة ما تقوم بها جمعيات ومنظمات سرية ذات عدد قليل تحمل برنامجا سياسيا، لكن هناك أيضا عمليات فردية ولكونها فردية سميت بالذئب المنفرد، ذلك أن المنفذ فيها لا يتلقى أوامر من منظمة ما، ولا يعمل بالتنسيق معها، ولا لتحقيق أهدافها، بل يكون الإرهابي في هذا السياق يعمل من تلقاء نفسه، وفق تخطيطه هو وإرادته هو، لإيصال رسالته الشخصية التي قد تتقاطع مع رغبات وأهداف تيار فكري عريض ينتمي إليه ولكنها ليست مؤتمرة بأمره أو خاضعة له ضمن علاقة هرمية وتنظيمية. ومع وجود الإنترنت، نرى أن تارانت قام بكل شيء بنفسه بسهولة: خطط، كتب منشوره، رفعه على الإنترنت، طلب أسلحته من الإنترنت، وارتكب جريمته عبر بثّ مباشر على الإنترنت.
إن تاريخ هذا التكتيك قديم، وغالبا ما يتم اللجوء إليه في الدول ذات المؤسسات الأمنية والرقابية القوية والتي تمنع وتصعّب العمل الجماعي ولديها القدرة على كشف واختراق واحباط التنظيمات الهرمية السرية. ورغم أن لهذا التكتيك تاريخ طويل مع الأناركيين ثم اليساريين ثم مقاومي الاستعمار، إلا أنه ارتبط في الفترة الأخيرة بأقصى اليمين في الدول الأوروبية والأمريكية وذلك بعد فشل التنظيمات السريّة المسلحة التي نشأت في بداية الثمانينات. فبعد أن قتلت سلطات الإف بي آي جوردون كاهل اليميني الذي كان يرفض دفع الضرائب أثناء محاولة اعتقاله، قررت عدة مجموعات يمينية تأسيس تنظيمات سريّة لأخذ الثأر من الحكومة. ففي عام ١٩٨٣م، قام روبرت ماثيو بتأسيس تنظيم النظام الذي هدف لمواجهة الحكومة الفدرالية التي يعتبرونها واقعة تحت تحكم المجموعات اليهودية. ولكن (النظام) لم يستمر طويلا، فبعد اغتيال مجموعة من أفراده لمذيع يهودي استطاعت السلطات الحكومية القضاء عليهم ومات روبرت ماثيو مقتولا أثناء محاولة اعتقاله. في الأسلحة التي استخدمها تارانت في هجومه على المسجدين نجد رقم (١٤) مكتوبا أكثر من مرة، وهذا الرقم يشير للمبدأ المكون من ١٤ كلمة الذي طوره أحد أعضاء تنظيم (النظام) واسمه ديفيد لين والتي يمكن ترجمتها كالتالي (علينا أن نحمي وجود قومنا ومستقبل أبناءنا البيض).
كان التكوين الفكري لكل من روبرت ماثيو وديفيد لين من مؤسسي (النظام) متأثر بشكل كبير بكتابات المنظر اليميني ومؤسس التحالف الوطني ويليام بيرس وبشكل خاص روايته المعنونة بـيوميات تيرنير الذي كان من الأدبيات الرئيسية التي يتوجب على كل أعضاء (النظام) قراءتها. وتحكي الرواية، التي تعتبر أكثر الروايات قراءة في صفوف أقصى اليمين الأمريكي، قصة صراع بين (منظمة) ثورية اسمها (النظام) وبين الحكومة التي اسمها (المؤسسة) والتي تتحكم بها شخصيات يهودية من خلف الكواليس. تقوم (النظام) بشن عمليات ضد الحكومة ومؤسساتها والمنتمين إليها بهدف خلق حالة من الاستقطاب في المجتمع تمهد لحرب عرقية تستطيع من خلالها (النظام) أن تعاقب (خونة العرق) وتستحوذ على أسلحة نووية تتيح لها الدخول في حرب مع إسرائيل والاتحاد السوفييتي. ويمكن بسهولة فهم الأثر الذي تركته هذه الكتابات في ماثيو مما دفعه لتسمية تنظيمه بنفس الإسم الذي سمى به بيرس المنظمة الثورية في روايته.
بعد تفكيك منظمة ماثيو حاول عدة أفراد تأسيس تنظيمات مشابهة، بعضها حمل نفس الاسم، لكن كلها باءت بالفشل. وكردة فعل على هذا الفشل، كتب بيرس رواية أخرى بعنوان الصيّاد وتحكي قصة رجل يحاول، بمفرده هذه المرة، شنّ حرب بين الأعراق في أمريكا عبر القيام بعمليات ضد شخصيات من الحكومة ورجال الأمن ومبانيها. وهذا التوجه نحو العمل الفردي تم منحه تأصيل نظري عام ١٩٩٣، عندما كتب أحد نشطاء حركة الكي كي كي العنصرية، واسمه لويس بيم، يحرّض رفاقه على الانخراط ضمن ما أسماه “حركة مقاومة بلا قيادة” مكونة من خلايا متوزعة ومنفصلة عن بعضها البعض تتكون كل واحدة منها من مجموعة أفراد أو من فرد واحد. وبرر بيم اللجوء لهذا النوع من المقاومة لكون الدولة باتت قوية وقادرة على اختراق التنظيمات المعقدة والهرمية وإفشالها. يقول بيم: “إنها فريضة على كل وطني أن يجعل من حياة الطغاة بائسة. ومن يتوانى عن فعل ذلك فهو إنما لا يخذل نفسه فقط، بل يخذل قومه أيضا”.
الأثر الذي ولده هذا النوع من التنظير هو أنه قام بتحويل المسؤولية من التنظيمات والمجموعات إلى الأفراد. فبدل أن يفكر المنتمي لهذا التيار عن طريقة للانضمام لمجموعة تتحمل المسؤولية وتقوم بعمل شيء لتحقيق أهداف التيار، قامت هذه الأطروحات الجديدة بنقل المسؤولية للفرد وجعله يفتش منفردا وبدون تخطيط وارتباط بغيره حول الطرق المفيدة التي تجعله يخدم القضية المشتركة مع رفاقه. وازدادت جاذبية هذا الخيار بعد مجموعة العمليات التي شنتها السلطات الفدرالية في الولايات المتحدة في بداية التسعينات الميلادية على قيادات وأعضاء حركات أقصى اليمين، وهو الأمر الذي أغضب تيموثي ماكفيه الذي قرر الانتقام من الحكومة الفدرالية. ماكفيه لم يكن منخرطا ضمن أي جماعة، لكنه كان مطلعا على الثقافة والأدبيات والنظريات الخاصة بالحركة. قرأ كتاب بيرس، بل وزعه ونشره بين أصحابه، وفي عام ١٩٩٥ قام بتفجير مبنى الإف بي آي في مدينة أوكلاهوما، وهي واحدة من أكبر العمليات التي نفذها اليمين الأمريكي ضد الحكومة. عند القبض عليه، وجدت قصاصا من رواية بيرس قام ماكفيه بتضليل جمل بعينها مثل “إن القيمة الحقيقية لهجماتنا اليوم تقع في الأثر النفسي الذي تحدثه وليس بالضحايا التي توقعهم. والأهم من ذلك هو الدرس الذي علمناه للساسة والبيروقراطيين، أن بعد هذه العملية، لا أحد يقع خارج متناول يدنا”.
كانت فترة التسعينات، فترة انتعاش للتنظيرات حول تكتيك الذئب المنفرد ليس فقط في أوساط أقصى اليمين الأمريكي، بل حتى ضمن أوساط تيارات وتوجهات أخرى. فعلى سبيل المثال، وكما يبين ذلك رامون سبايج، وفي عام ١٩٩٣م، نشر أحد نشطاء حماية الحيوان منشورا بعنوان إعلان حرب: قتل البشر من أجل حماية الحيوانات والبيئة. وفي نفس الفترة كتب المنظّر للتكتيكات الجهادية أبو مصعب السوري مسودة كتابه الذي يدعو فيه لما اسماه “جهاد الإرهاب الفردي”. وما بدأ تنظيرا، سيتحول بعد ١١ سبتمبر وإعلان الحرب العالمية على الإرهاب وما صاحبه من تطوير للأجهزة الرقابية والأمنية والتنسيق الحكومي ضد الجماعات المنظمة، إلى خيار تكتيكي مفضّل لدى الجميع وذلك لأنه الوحيد المتاح لمختلف أنواع الجماعات.
في ٢٢ يوليو ٢٠١١، نفذت أول عملية ذئب منفرد للأفكار التي تطورت عن المسلمين وخطرهم على أوروبا وهي العملية التي قام بها آندري بريفيك عندما فجر مبنى الحكومة النرويجية وأطلق النار على مخيم صيفي لشباب حزب العمال. آنذاك، نشر بريفيك منشوره المكون من أكثر من ألف صفحة وعنوانه سنة ٢٠٨٣: إعلان الاستقلال الأوروبي. في هذا المنشور يقدم بريفيك نفسه باعتباره جزء من طليعة أوروبية لمناهضة مشروع أورابيا، وفيه يوضح أن مشروعه السياسي هو الحفاظ على الحضارة الأوروبية من مخطط الأسلمة الذي ينفذ عبر تواطؤ بين النخبة التي تتبنى أفكار “الماركسية الثقافية” و”التعددية الثقافية” وبين المهاجرين المسلمين الذين يصلون ويتناسلون بأعداد كبيرة. وجلّ هذه الأفكار هي نفسها التي شرحناها في الفقرة السابقة، لكن الجديد لدى بريفيك هو شرحه وتبريره لقرار تبني تكتيك الذئب المنفرد لتحقيق أهدافه السياسية. ففي فقرة من منشوره يوضح أن “المقاومة المسلحة” هي الخيار العقلاني الوحيد المتبقي لمنع أسلمة أوروبا. فبالنسبة له، لا جدوى من محاولة التغيير عبر الوسائل والطرق الديمقراطية، ذلك أن النخبة الماركسية الثقافية تملك الكثير من أدوات شيطنة من يحاولون المحافظة على الإرث الثقافي الأوروبي عبر وصفهم بأنهم عنصريين ونازيين ومتعصبين، وكذلك تقوم بتجنيس واستقبال المهاجرين المسلمين الذين سيكونون أصواتا مستقبلية لهم. ومع سرعة تناسل المهاجرين المسلمين وزيادة معدلات هجراتهم، فإن القوّة الديموغرافية للمحافظين على الحضارة الأوروبية ستضعف شيئا فشيئا. ولهذا السبب لا جدوى من العمل داخل المؤسسات الديمقراطية. ويقسم بريفيك العلاقة بين المحافظين والحكومات الأوروبية التي يسيطر عليها الماركسيين الثقافيين لعدة مراحل: المرحلة الأولى وتمتد من تأسيس أول مؤسسات الإتحاد الأوروبي عام ١٩٥٥م إلى قرار الناتو بضرب الصرب في يوغسلافيا السابقة عام ١٩٩٩م. أما المرحلة الثانية وهي مرحلة الحرب الأهلية والتي ستتكون من هجمات متنوعة من قبل الخلايا الصغيرة المنتشرة في أوروبا حتى عام ٢٠٣٠م. ثم تشتد هذه الحرب الأهلية بين ٢٠٣٠-٢٠٧٠ وتتنوع تكتيكات المحافظين لتصل لمحاولات تدبير انقلابات عسكرية. وأخيرا تأتي المرحلة الأخيرة والتي تمتد بين ٢٠٧٠-٢٠٨٣ والتي ستزيد من عدد الحكومات الخاضعة لسيطرة المحافظين وستشهد البدء بعمليات إعدام جماعية للخونة الأوروبيين من المنتمين لتيارات التعددية الثقافية والماركسية الثقافية، وكذلك بعمليات ترحيل جماعية للمسلمين من أوروبا (هناك خيار آخر لمن يود من المسلمين البقاء في أوروبا: التحوّل للمسيحية، تغيير الاسم، التخلي عن العربية أو اللغة الأم، تدمير وإغلاق المؤسسات الإسلامية وأي إرث ثقافي إسلامي في أوروبا، عدم التواصل مع مسلمين من الخارج، عدم إنجاب أكثر من طفلين…إلخ). إن اختيار سنة ٢٠٨٣ كسنة نصر فيها تذكير بانتصار الامبراطوريات الأوروبية على الإمبراطورية العثمانية في معركة فيينا عام ١٦٨٣م.
بعد هذا التبرير للجوء للخيار المسلح وتوضيح كيف أن الوقت ليس من صالح المحافظين وأن المؤسسات الديمقراطية لا يمكن أن تنتج حلا، يبدأ بريفيك بشرح طريقته: الخلايا الاستشهادية المنفردة. يسرد بريفيك نفس الأسباب التي تدعو لاتباع هذا النوع من التكتيك وهي باختصار قدرات الحكومات القوية والفعالة على رصد اتصالات وعلاقات الجماعات التي تحتوي على أكثر من فرد. لهذا السبب يفضّل العمل منفردا، ويمنح العامل الحق والصلاحية على اختيار الهجوم الذي يراه مناسبا لتحقيق الهدف. ونجد ضمن تحذيراته لأتباعه المستقبليين أنه يحذر من اختيار أهداف صعبة ومؤمّنة، ويشدد على اختيار أهداف سهلة غير محروسة. وبعد بريفيك شهدت أوروبا وأمريكا عددا من عمليات الذئب المنفرد نفذها مجموعة من الأفراد الرافضين للثقافة السائدة للحكومات الأوروبية ولما يعتبرونه إضعافا للبيض أو غزوا أو تلويثا. ففي تشارلزستون في فيرجينا، هاجم ديلين روف مرتادي كنيسة سود وقتل منهم ثمانية في شهر يونيو من عام ٢٠١٥م. وفي نفس السنة، في مدينة مختلطة عرقيا في السويد قام فتى صغير بدخول مدرسة ومعه سيف وقتل مجموعة مهاجرين. وفي ٢٠١٧ دهس البريطاني دارن بورن بسيارته مسلما، كما اقتحم يميني مسجدا في الكيوبك في كندا وقام بقتل ستة أشخاص. وفي عام ٢٠١٨، قام الإيطالي لوكا تريني بإطلاق النار على ثمانية مهاجرين سود. هذه الحوادث ليست شاملة، ولكنها الحوادث التي عددها برينتون تارانت بوصفها أثرت فيه، وكلها عمليات ذئب منفرد. وهي تختلف عن عملية بريفيك في كون أهدافها أشخاص عاديون وليست أهدافا سياسية. وهذا التحوّل في اختيار الأهداف يتطابق مع التحوّل في الأوساط الجهادية حيث بدأت داعش بدعوة المتعاطفين معها في الدول الغربية لاستهداف أي أحد في أي مكان بأي طريقة، فبدأنا نشاهد هجوما على بارات ودهسا للناس في الشوارع. وسيصبح مثيرا لو وجدنا علاقة تعلّم واقتباس من الطرفين الذين يفترض بهما أنهما متعادين.
القاتل والجريمة: ملاحظات ختامية
من النقاشات أعلاه، تعرفنا على السياق الفكري العام الذي انطلق منه القاتل، والسياق التكتيكي العام الذي اعتمد عليه. يبقى الآن أن نحاول تحديد بدقة أكثر موقعه داخل هذه السياقات. فهل هو أقرب لبريفيك الأوروبي القومي، المناهض للنازية، والذي يريد إنقاذ أوروبا من مشروع الأسلمة عبر استهداف الحكومات الأوروبية الخائنة أم هو أقرب للفتى الأمريكي ديلين روف، العنصري الأبيض، الذي قام بقتل مرتادي الكنيسة السود كنوع من الاحتجاج على ما يتصوره هجوما ثقافيا وإعلاميا وأكاديميا ورسميا على المواطنين البيض؟ الجواب أنه خليط غير متجانس بين الإثنين وأكثر.
يمكن النظر لبرينتون تارانت بأنه نتيجة للحوارات الكثيرة التي تحدث بين اليمين الأوروبي واليمين الأمريكي. فبالنسبة لليمين الأمريكي ما زال الخطاب العنصري والمعادي للسامية مهيمنا (دليل ذلك حادثة ديلين روف وحادثة الكنيس اليهودي في بيتسبرغ) في حين أن اليمين الأوروبي يبدو أنه يتخلى عن هذه الخطابات إلى خطابات معادية للمهاجرين بشكل عام والمسلمين بشكل خاص مع دعم كبير لإسرائيل بوصفها رأس الحربة في الحرب ضد المشروع الجهادي وأسلمة أوروبا. وهذا الاختلاف يعود في جانب كبير منه لاختلاف الظروف على الأرض، فعدد اليهود في أوروبا قليل جدا وحضورهم في السياسة والإعلام في الدول الأوروبية ضعيف مقارنة بعددهم وحضورهم بأمريكا. بالمقابل، المهاجرين المسلمين في أمريكا قليل جدا مقارنة بعددهم في أوروبا. فالإسلام بالنسبة لليمين الأمريكي هو عدوّ خارجي، فمنفذي عمليات ١١ سبتمبر لم يكونوا مهاجرين. بالمقابل، فإن الهجمات التي نفذها إسلاميون في أوروبا كانوا في الغال مسلمين أوروبيين من أبناء المهاجرين. يضاف إلى ذلك أن مسألة العرق في أمريكا لها تاريخ معقد وشائك مقارنة بأوروبا. ورغم هذه الاختلافات، إلا أن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي خلقت نوع من الفضاء العام لهذه التيارات للنقاش حول كافة هذه المواضيع: من هو العدو؟ اليهود أم المسلمين أم المهاجرين أم السود؟ كيف نواجههم؟ بالعنف أم بالتوعية أم بالوسائل الديمقراطية؟
إلا أن اللحظة التي تدفع المشارك في هذه النقاشات للإنتقال من الكلام والنقاش على الانترنت إلى الفعل على أرض الواقع تكون غالبا مقترنة بشعور بأن الوقت ليس من صالحهم وبأن المؤسسات الرسمية والديمقراطية والإعلامية خذلتهم ولا يمكن حلّ شيء من خلالها. في هذه البيئة التي يتضخم فيها هذا الشعور المتوهم بأن المشكلة طارئة ولا تحتمل التأجيل (العرق الأبيض سيفنى قريبا، أو أننا سنتحول لأقلية في بلداننا قريبا، أو أن بلادنا ستتأسلم)، والتي تتفشى فيها أدبيات ونماذج تكتيك الذئب المنفرد التي تزيّن للفرد أن يعمل منفردا دون الحاجة للانخراط ضمن جماعة أو تنظيم؛ في مثل هذه البيئة يتكاثر أمثال برينتون تارانت، ويصبح من الصعب على الجهات الأمنية التعرف عليهم أو حتى توقع أهدافهم.
يلخص تارانت المشكلة الرئيسية التي دفعته للقيام بما قام به بجملة واحدة “معدلات الإنجاب”. فخلافا لبريفيك الذي كان يرى أن هناك مشروع سياسي مخطط له لأسلمة أوروبا اسمه أورابيا، فإن تارانت يرى أن مشكلة معدلات الإنجاب نابعة من مشكلة ثقافية داخلية تدفع الأسرة البيضاء في الغرب للتقليل من الإنجاب بطريقة تجعلهم يفنون أنفسهم بأنفسهم حتى لو تم طرد كل المهاجرين من الدول الغربية. هذه المشكلة الثقافية يسميها “العدمية اللذائذية الفردانية”. ورغم أنه لا يقدم تعريفا واضحا لما يعنيه بهذا، إلا أنه من الممكن الاستنتاج بأنها ثقافة تدفع الفرد للحرص على زيادة ملذاته وإشباعها بشكل فردي غير آبه بأي معنى أكبر أو خارج حدود اللذة الفردية. فهذه الثقافة هي التي هدمت قيم الأسرة التقليدية.
حسنا إذا كان سبب هذه المشكلة هو هذه الثقافة وليس المهاجرين، وأن ترحيل كل المهاجرين لا يحل المشكلة، فلماذا يتم الإعتداء عليهم؟ يأتي جواب تارانت هنا على الشكل التالي: فتح دولنا لتدفق المهاجرين من الخارج لا يعطينا وقتا كافيا لحلّ مشكلة معدلات الإنجاب. فأعداد المهاجرين الهائلة ومعدلات تناسلهم الكبيرة تزيد من مفاقمة مشاكل معدلات الإنجاب، وتسرّع من عملية تحويل البيض إلى أقليات في بلدانهم وتهميشهم وإضعافهم. لهذا، ومن أجل كسب مزيد من الوقت لحلّ مشكلة معدلات الإنجاب، يجب إيقاف سياسات الهجرة وترحيل كافة المهاجرين لبلدانهم. من هذه الإجابة نستطيع ملاحظة عنصر الوقت وكيف أن هذا الشعور المتوهم بسرعة نفاذه يتيح للقاتل أن يبرر لنفسه السعي لأن يحل ما يعتبره مشكلة بيديه.
بعد أن عرفنا الهدف، لننقل إلى سؤال التكتيك. فكيف يتصور تارانت أن قتل هؤلاء المهاجرين في المسجد وسيلة فعّالة لتحقيق هدف ترحيلهم من ديار الغرب؟ حتى نتمكن من الإجابة على هذا السؤال يتوجب فهم الرمزية العالية في كل تفاصيل العملية. فمهاجمة اللاجئين في مكان عبادتهم، الذي يفترض فيه أن يكون أكثر الأماكن أمنا، والمكان الذي يعكس أحد أركان الشرعية الرئيسية التي تقوم عليها الدول الديمقراطية: حرية التدين، سيحقق الغرض من العملية وهو إرهاب بقية المهاجرين من الذهاب لأكثر الأماكن آمانا. يتوقع تارانت أنه بنشر هذا النوع من الخوف عبر هذه العملية سيستطيع التأثير على سلوك المهاجرين الحاليين والمحتملين بطريقة تدفع بتقليل تواجدهم إما بعدم الهجرة أو بالهجرة العكسية.
لكن لماذا مسجد؟ ولماذا مسلمين؟ فكما وضحنا في بداية هذه التدوينة، فالمسلمين في نيوزلندا لا يشكلون أكثر من ١٪ من سكان نيوزلندا. هنا يطرح تارانت إجابتين توضح كيف أنه خليط بين بريفيك وروف وزيادة. الإجابة الأولى يقول فيها أنه يريد الإنتقام من الامبراطوريات الإسلامية القديمة التي استعبدت وقتلت واعتدت على كثير من الأوروبيين وخصوصا في الفترة العثمانية في مسلسل لم ينتهي إلى اليوم مع عمليات داعش في أوروبا التي كانت أحد أسباب قراره في التحرك. أي أنه يرى هجمات داعش وحروب الدولة العثمانية ودولة الأندلس بأنها كلها تندرج ضمن نفس الشيء الذي يسميه “الإسلام” الذي أصبح أشبه ما يكون بالعدوّ الحضاري والثقافي التاريخي، وأن هذه الجرائم التي قام بها هؤلاء المسلمين يتحمل وزرها كل مسلم أيا كان، وأنه بقتل مسلمين عشوائيين لا علاقة لهم بأي شيء من هذه الحروب والجرائم فهو ينتقم من هذا العدوّ الحضاري والثقافي التاريخي. نلاحظ أن هذه الإجابة ليست وطنية، فهي لا تعنى بنيوزيلندا كدولة ذات حدود وسيادة، بل تعني بهوية عابرة للحدود اسمها الهوية الأوروبية. وهذه هي الإضافة الرئيسية التي قدمتها عملية تارانت، فهي أول عملية يقوم بها يميني خارج حدود بلاده التي يحمل جنسيتها. فهو استرالي يقوم بمهاجمة مهاجرين نيوزلنديين بحجة أنهم غزاة على أرضه وبلده.
أما الإجابة الأخرى فهي تكتيكية. يقول تارانت أن السبب الذي دفعه لاختيار المسلمين من بين بقية مجتمعات المهاجرين هو “لأنهم أكثر مجموعة مكروهة في الغرب ومهاجمتهم تلاقي كثيرا من الدعم”. وهذه الإجابة تكشف تداخل كافة مستويات الخطابات التي تشيطن المسلمين: من خطاب محاربة الإرهاب الذي تتبناه الحكومات والإعلام العام وغيره إلى خطاب حركة مواجهة الجهاد بطريقة تجعل المسلمين في البلدان الغربية أكثر المجموعات وضوحا واستباحة وأقلها جاذبية للتعاطف.
لنختم الآن بهذه الملاحظة الأخيرة. إن الأشخاص الذين يقومون بعمليات الذئب المنفرد يعلمون جيدا أن عملياتهم صغيرة وعدد ضحاياها قليل. أي أنهم يعلمون أن الأثر المباشر لعملهم ليس بذاك الأثر الكبير. لكن ما يعولون عليه لتحقيق أهدافهم هو ردات فعل الآخرين. فهم يختارون عملياتهم وأهدافهم بطريقة تهدف لاستغلال التناقضات الاجتماعية واستفزاز ردات فعل كبيرة تحقق الهدف من العملية. لننظر مثلا لعمليات ١١ سبتمبر. فهذا الحدث ما كان له أن يكتسب هذه الأهمية لو لم تردّ عليه الحكومة الأمريكية بإعلان الحرب العالمية على الإرهاب واحتلال بلدين. وهذا التعويل على ردات الفعل لا يخفيه برينتون تارانت، وسأضرب مثالين على ذلك. أما المثال الأول فهو يقول أنه اختار الهجوم باستخدام سلاح ناري حتى يمنح الديمقراطيين في أمريكا فرصة لاستغلال حادثته كي يلغوا حق حمل السلاح في أمريكا مما سيضطر المدافعين عن هذا الحق للجوء للعنف للرد على ذلك وهو الأمر الذي سيخلق حربا أهلية في أمريكا. وبالنسبة لتارانت، أمريكا هي عدوه الكبير لأن نموذجها التعايشي والتسامحي وثقافتها الفردانية الاستهلاكية هو أكبر ما يهدد العرق الأبيض. فاختياره للسلاح الناري يهدف لزيادة الاستقطاب الأمريكي حول قضية حمل السلاح هناك. ونحن نرى هذه الأيام كيف أن ردّة فعل الحكومة النيوزلندية على عمله كانت بإصدار قانون سريع يمنع بيع الأسلحة الآلية، وهو الأمر الذي لفت اهتمام الديمقراطيين واللبراليين الأمريكيين الذين بدأوا بعقد مقارنات عن سرعة استجابة نيوزلندا وتلكؤ الأمريكيين في هذا الموضوع. والمثال الثاني يتمثل باستهدافه لتركيا في منشوره ومطالبته باستعادة كنيسة أيا صوفيا حيث يقول أنه يريد من عمليته أن تخلق نوعا من الشرخ بين تركيا وبين الناتو حتى يتم إخراجها منه وتعود لموقعها التاريخي كعدو للأوروبيين. ورغم غرابة الفكرة وسطحيتها، إلا أنها صادفت هوى لدى رئيس شعبوي لا يتوانى عن توظيف أي شيء للفوز في انتخاباته في تركيا.
حول تجاهلك للدافع العقدي أو الديني، هل نفهم من الكاتب أن الغرب الأوربي قد صهر المسيحية في هويته وثقافته البيضاء، بمعنى أن الدافع مركب ثقافي هوياتي أو عرقي وليس دينياً خالصاً كالذي يحدث في في الجماعات الإسلامية؟
قادم الأيام سيكون اكثر إثارة وتعقيداً من المشهد الحالي للاحداث. على كل حال ، بديع هو نموذج التفكير الذي انتج لنا هذا التحليل الشمولي وقلب لنا الجبل الجليدي لنرى الجزء المغمور تحت الماء. شكراً سلطان