توطئة
توفي السلطان قابوس في 10 يناير 2020، بعد خمسة عقود قضاها في حكم وبناء السلطنة الحديثة، وهو آخر حكام الخليج المنتمين للجيل المؤسس ليخلفه ابن عمه السلطان هيثم. سيكون مثيرا للاهتمام تتبع أهم التحولات التي حدثت في السلطنة مع تغير الحكم فيها، فبقية دول الخليج شهدت تحولات كبيرة مع تغير الحكم كالتحول في دولة الإمارات المتحدة بعد وفاة الشيخ زايد وكذا في دولة قطر بعد انتهاء حكم الأمير حمد بن خليفة. فما هي الجوانب التي شهدت استمرارية في السلطنة والجوانب التي شهدت تغييراً؟
تسعى هذه المقالة بشكل أكثر تحديداً إلى رصد أبرز أوجه الاستمرارية والتغيير في السياسية العُمانية بين عامي 2020 و2021 تحت حكم السلطان هيثم بن طارق حاكم عُمان. وفيها يتبين أن الشأن السياسي الداخلي شهد جملة من التغييرات التي طالت الجهاز الإداري للدولة ومجلس الوزراء، لكن السياسة الخارجية العُمانية لم يمسّها تغييرات جوهرية مُعلنة، إذ استمرت السلطنة باتباع سياسة الحياد الإيجابي الساعي لتقريب وجهات النظر في النزاعات الإقليمية والقضايا الدولية، باستثناء ترجّل يوسف بن علوي عن منصبه وزيراً مسؤولاً عن الشؤون الخارجية العمانية، ليخلفه السيد بدر البوسعيدي وزيراً للخارجية العُمانية، بالإضافة إلى تداول الملف المعني بالتطبيع مع الكيان الصهيوني وديمومة التضامن المجتمعي العُماني مع القضية الفلسطينية. أما في الشأن الاقتصادي، فإن السلطنة استمرت باتباع السياسات المستهدفة في رؤية عمان 2040، لذا سنسلط الضوء على الإجراءات التقشفية التي اتخذتها الحكومة لمواجهة الخلل المالي الذي عانت منه السلطنة في السنوات العشر الأخيرة. وتتفحص المقالة المستجدات الاجتماعية المرتبطة بجائحة كورونا وآخر المستجدات البيئية العُمانية.
أولاً: المستجدات السياسية الداخلية
ألقى السلطان هيثم بن طارق بعد تقلده الحكم مجموعة من الخطابات جاءت لتعكس مسار العمل السياسي العماني المستقبلي، حيث كان خطاب العرش موجهاً للخارج -دول العالم والمنظمات الأممية- موضِحاً استمرار مواقف السلطنة وعلاقاتها على نهج السلطان الراحل قابوس بن سعيد – رحمه الله – والتي قال إنها ارتكزت على التعايش السلمي بين المجتمعات، وحسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، واحترام سيادة الدول (خطاب السلطان هيثم، 2020). ولما كان تنصيب السلطان هيثم بن طارق له أهمية سياسية على المستوى المحلي والاقليمي فقد كُرِّسَ الخطاب الأول رداً استباقياً للتحديات المحتملة التي قد تتعرض لها السلطنة في فترة انتقال الحكم وللتأكيد على ثبات شكل العلاقات الدبلوماسية الخارجية وترسيم حدودها في ظل التوترات بالمنطقة عموماً والتوجهات السياسية لدول الخليج التي برزت ملامحها في السنوات الآخيرة خصوصاً.
أما بالنسبة لمسار الخطابات التي ألقاه السلطان في 23 فبراير 2020 و18 نوفمبر 2020 فقد أخذت منحى مغايرا ذهبت مضامينه للداخل العُماني، حيث ركزت على أهمية التغييرات الجوهرية في السياسة الداخلية، والتي تنطلق من الأولويات الوطنية لرؤية عُمان 2040 بإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين والآليات وبرامج العمل، وتعزيز التنويع الاقتصادي والاستدامة المالية، والاهتمام بقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال، وتطوير سوق العمل وتشغيله (خطاب السلطان هيثم، 2020).
وقد عكست الخطابات السلطانية مجموعة من المؤشرات كان أبرزها التحوّلات الجذرية في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المستقبلية (مركز الأخبار، 2020). وحاولت كسب ثقة الشعب والتأثير عليه بطرح نموذج لعمان الجديدة (قنات، البادية، 2020)، وجاءت أكثر ميلاً لتقديم رؤية عُمان 2040 ومفسرةً للمراسيم السلطانية والقرارات المتخذة في إطار العمل السياسي لتحقيق أهداف الرؤية.
مشروع عُمان الجديدة
كان مشروع “عُمان الجديدة” مشروعاً شعبياً ظهر في السنوات الماضية على شاكلة رؤى وأفكار ومطالبات إصلاحية في مناحي الحياة الاجتماعية العامة، وهو الذي قُدِّمَ إلى السلطان الراحل قابوس بن سعيد -رحمه الله- عام 2011 (الهاشمي، 2013)، بيد أن هذا المشروع لم يحرز التغيير والإصلاح المأمول وفق بعض المراقبين، الذين أشاروا إلى أن الهدف الأساسي من حزمة الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة العُمانية هو إعادة استقرار أمن الدولة للحفاظ على هيبة سلطة الحكم ومكانته أكثر من أي شيء آخر (الشقصي، 2020). ومع الاستجابة لبعض المطالب الشعبية وتغيير مجلس الوزراء الذي شمل من جهة تعيينات جديدة وإقالة مجموعة من المسؤولين من جهة أخرى، إلاّ أن ذلك التغيير الشكلي للأسماء لم يكن تغييراً جوهرياً ملموساً في البرنامج الحكومي، ولم يمنع ذلك من اتساع فجوة التحديات التنموية التي أفرزت نتائج عكسية وظهور ما يسمى بالترهل الإداري لمؤسسات الدولة وتراجع مستوى أدائها.
وبعد مرور ما يقارب 10 سنوات من إطلاقه، يعود السلطان هيثم بن طارق لطرح ما يراه بعضٌ صدىً لمشروع عُمان الجديدة تحت مظلة رؤية عمان 2040، معلناً عن حزمة من المراسيم السلطانية بلغ عددها 28 مرسوماً سلطانياً في يوم واحد (تلفزيون سلطنة عُمان، 2020)، قدم فيها مشروع “إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة حيث أُلغِيت خمسة مجالس لتؤول اختصاصاتها إلى مجلس الوزراء وهي: المجلس الأعلى للتخطيط، مجلس الشؤون المالية وموارد الطاقة، مجلس التعليم، مجلس البحث العلمي، ومجلس الخدمة المدنية، مع استحداث مجلس شؤون المحافظات، ودمجت عشرة وزارات لتكون خمس بالمسميات الآتية: وزارة العدل والشؤون القانونية، وزارة التراث والسياحة، وزارة الثقافة والرياضة والشباب، وزارة العمل، وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، وعدلت مسميات ستة وزارات وهي: وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وزارة الإسكان والتخطيط العمراني، وزارة الطاقة والمعادن، وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، وزارة الإعلام، وقد رافق ذلك استحداث وزارة الاقتصاد، وفي المقابل أُلغِيت وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه مع استحداث سبع مؤسسات جديدة وذلك بإلغاء وزارة البيئة والشؤون المناخية وإنشاء هيئة تسمى هيئة البيئة، والهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة، وهيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وإنشاء جامعة التقنية والعلوم التطبيقية، وهيئة تنظيم الخدمات العامة، وإنشاء جهاز الاستثمار العُماني” (التواصل الحكومي، 2020).
يؤمل من إعادة النظر في هيكلة الجهاز الإداري للدولة تخفيف العبء الواقع على الميزانية المالية وترشيد الإنفاق الحكومي وتحسين كفاءة الأداء من خلال الابتعاد عن البيروقراطية وإنجاز العمل بتكلفة قليلة وفي وقت أسرع، ومنع الصراعات والتضارب في الاختصاصات الناتجة عن تشابه مهام العمل بين المؤسسات (علي، 2020). وبغض النظر عن السياق السابق، فإن أكثر ما يلفت الانتباه في التغييرات التي طرأت على هيكلة الجهاز الإداري الجديد هو إلغاء بعض الوزارات كوزارة التقنية والاتصالات ووزارة شؤون الفنون، وهما الوزارتان اللتان لم يتجاوز استحداثهما عاماً واحداً (مرسوم رقم 90/2020، ومرسوم رقم 87/2020).
وعلى صعيد مشابه، وفيما يخص التشكيلة الجديدة لمجلس الوزراء، فقد ترأسها السلطان هيثم بن طارق مع وجود 26 وزيراً (التواصل الحكومي، 2020). وما يثير الاهتمام في التعيينات المستجدة هو اتساع دائرة اللامركزية لسلطة الحاكم وذلك بتنازل السلطان هيثم بن طارق عن بعض المناصب التي كانت من مسؤوليات الحاكم المباشرة، وشهدت التعيينات تمكيناً سياسياً ملحوظاً للأسرة الحاكمة وتعيينهم في مناصب سياسية رفيعة المستوى داخل الدولة (Al-Balushi,2020). وما يبرهن على الطرح السابق هو “تعيين السيد فهد بن محمود – ابن عم السلطان – نائباً لرئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء، وتعيين السيد شهاب بن طارق – الأخ الشقيق لسلطان – نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الدفاع، وتعيين السيد ذي يزن بن هيثم – ابن السلطان – وزيراً للثقافة والرياضة والشباب (مرسوم رقم 111/2020)، وتعيين السيد تيمور بن أسعد – ابن أخ السلطان – رئيساً لمجلس محافظي البنك المركزي العُماني بمرتبة وزير (مرسوم رقم 112/2020)، وتعيين السيد فهد بن جلندى – ابن عم السلطان – رئيساً لجامعة السلطان قابوس (مرسوم رقم67/2020)، أما السيد أسعد بن طارق – الأخ غير الشقيق للسلطان – فمن الواضح أنه مازال يحتفظ بمنصبه الرسمي السابق نائباً لرئيس الوزراء للشؤون العلاقات والتعاون الدولي” ( Al-Balushi,2020).
أبرز التغييرات التي شهدتها تشكيلة مجلس الوزراء في الحكومة العُمانية الجديدة هو تعيين السيد بدر البوسعيدي وزيراً للخارجية (مرسوم رقم 111/2020)، خلفاً ليوسف بن علوي الذي شغل منصب وزير مسؤول عن الشؤون الخارجية العمانية لمدة 23 سنة، حيث عُرِفَ بدوره الدبلوماسي في ملفات إقليمية متعددة (BBC NEWS,2020). وقد كثرت التكهنات حول أسباب إبعاد بن علوي عن تشكيلة الحكومة العُمانية الجديدة، فعزاها بعضهم إلى ظهور تسريب “لتسجيلات بن علوي مع القذافي” (أخبار العالم العربي، 2020)، وميله إلى موازنة العلاقات مع إيران لأسباب تاريخية بما لا يتوافق مع الرؤية السياسية لحاكم عمان الجديد، ورأى مراقبين أن هذه الخطوة قد تغير من نهج السياسة العُمانية الخارجية (الأحمري، 2020)، بينما اعترض آخرون بأن “التسريبات محل شك، لا يوجد دليل قاطع على صحتها، وأن التغير الوزاري كان معداً سابقاً ولا علاقة له بالتطورات الأخيرة في المنطقة، فالسياسة العُمانية تعتمد على مبدأ الوقوف على مسافة واحدة من جميع الدول الشقيقة والصديقة، وهي سياسة قائمة على التهدئة، وعدم الانجرار وراء الصراعات، فقد كانت مسقط دائماً محطة لاستقبال الفرقاء السياسيين من مختلف العالم” (الحرة، 2020).
وفيما يتعلق بإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة والتشكيلة الجديدة لمجلس الوزراء في عُمان، عكس وسم #حكومة_جديدة_نهضة_متجددة مطالبات شعبية متباينة، حيث أشار مغردون إلى أن المجتمع العُماني في المرحلة القادمة لن يقف متفرجاً على التغييرات التي تطرأ على المشهد العُماني، بل سيكون دوره مراقباً ومقيّماً للمستجدات مع التأكيد على ضرورة عدم المساس بمعيشة المواطن (الجهضمي، 2020).
ولربما كان الوقت مبكراً على تقييم مشروع عُمان الجديدة والوقوف عليه إلاّ أن التساؤلات ستظل واردة بين الفينة والأخرى عن نسبة تحقق أهداف المشروع القائم في ظل حكم السلطان هيثم بن طارق، وما سيحصدهُ المجتمع العماني بعد خمسة سنوات قادمة من ثماره التي تعهد بها السلطان أمام شعبه في خطاب العيد الخمسين للسلطنة حين قال: “سوف يشهد الاقتصاد خلال الأعوام الخمسة القادمة معدلات نمو تلبي تطلعاتكم جميعا أبناء الوطن العزيز” (الفرعي، 2020).
العودة إلى أرض الوطن
خلال عام 2020، تداول النشطاء العُمانيون في مواقع التواصل الاجتماعي أنباء عن عودة بعض الشخصيات العُمانية إلى أرض الوطن بعد أن غادروها طيلة السنوات الماضية لأسباب مختلفة، كان أبرزها عودة جناب السيد جمشيد بن عبد الله آل سعيد آخر سلاطين دولة البوسعيد في زنجبار (شؤون عُمانية، 2020) بعد نفيه إلى مدينة بورتسموت Portsmouth بالمملكة المتحدة إثر احداث عام 1964 (الشكيلية،2020) وكشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية عن أسباب عدم عودته في فترة الحكم السابق حيث علقت “أن حكومة السلطان الراحل قابوس بن سعيد -رحمه الله- رفضت طلب لجوء جمشيد آل سعيد لأسباب أمنية” (الدرر الشامية، 2020). ولم يكن خبر عودة السيد جمشيد محصوراً على تداوله إعلامياً داخل السلطنة، بل أعلنت عنه القنوات الإعلامية في زنجبار لمحاولة قياس ردة فعل الزنجباريين وموقفهم من رجوع جناب السيد إلى عُمان (الهنائية، 2020). وبالتزامن مع ما سبق تُدُوِلت أنباء أخرى عن رُجوع أسماء عُمانية غادرت السلطنة ممن أطلق بعض المعلقين عليهم اسم ” المعارضون في الخارج ” ومنهم مظاهر التاجر (التاجر، 2020)، وسعيد جداد (شوشال ميطيا، 2020)، ومعاوية الرواحي (الرواحي، 2020). ويعود صدور العفو حسب تحليل بعضهم إلى أنه يحمل رسالة ضمنية للخارج بإسقاط أهم الأوراق التي كان يلعب بها خصوم السلطنة الإقليميون، علماً أنه لم يصدر أي مرسوم سلطاني بالعفو في الإعلام الرسمي، مع التأكيد على عودتهم إلى أرض الوطن وابتعادهم عن ساحة الطرح الوطني حول أداء الحكومة العُمانية الحالية (كمال، 2020).
مواجهات الحركة النسوية العُمانية والسلطة
ظهرت في الآونة الأخيرة ملامح الحركة النسوية العُمانية، حيث انطلقت هذه الحركة على أيدي ناشطات عُمانيات يعملن على نشر الوعي الحقوقي للمرأة وتبني قضاياهن ومناقشتها والمطالبة بتعديل بعض القوانيين التمييزية التي تخص المرأة العُمانية في مختلف المواقع الإلكترونية ووسائلها. ومن أبرز منصات الحركة : قسم حقوق المرأة بالجمعية العُمانية لحقوق الإنسان (الهنائية، 2017)، وحساب منتدى عُمانيات (الطالعية، 2020)، ومدونة نقوش على جدار واسعة (الهنائية، 2013)، وحساب نسويات عمانيات (2014)، وحملة لا تسكتي (2020). هذا الأمر أدى إلى نشوب مواجهات بين سلطات مجتمعية وسياسية مع بعض الناشطات في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تعرضن إلى أدوات الضغط المباشر وغير المباشر والاتهامات المتواصلة حول الإخلال بالنظام العام وزعزعة الثوابت الدينية والوطنية وحصولهن على دعم خارجي، والاستدعاءات وتوقيع التعهدات نظير موقفهم في الدفاع عن حقوق المرأة العُمانية، بالإضافة إلى ظهور بعض الحسابات الإلكترونية للرد على هذه الحملات الحقوقية بحملات مضادة ومحاولة التشكيك بالمطالبات وتشويهها. وربما كانت أبرز هذه الحالات التي أدت إلى ظهور وجهات نظر منقسمة بالمجتمع الداخلي وهو قرار حرمان إحدى الطالبات من استكمال الدراسة على خلفية تغريداتها ومطالبتها بإلغاء تصاريح السكنات الجامعية (سين باء ألف، 2020).
يرى بعض المحللين أن تقارب واقع النسوية في الخليج على وجه العموم والنسوية العُمانية خصوصاً قائم على وجود مواجهات مستمرة عبر السياق التاريخي بين سلطتين، هما: السلطة المجتمعية التي جندت أعداداً من النساء لرفض حقوقهن، والسلطة السياسية التي تمكنت من التسلل بين الناشطات والتخلخل في الحركة النسوية والتأثير فيها (الرميحي،2009)، وهو الأمر الذي ساهم بإعادة إنتاج واستمرار حالة الانتهاك الحقوقي للمرأة داخل المجتمعات عموماً حسب رأيهم (المحادين، 2018).
ثانياً: المستجدات الاقتصادية
تعرضت البنية الاقتصادية العُمانية لتصدعات مستمرة ناتجة عن اعتماد الحكومة بشكلٍ مباشر على النفط والغاز وإنفاقها بنسبة كبيرة دون خلق اقتصاد متنوع أو مصادر دخل بديلة يمكن أن تحل محل الإيرادات النفطية في السنوات الأخيرة (Al-Araimi,2016). وقد ساهم ذلك بشكلٍ رئيس على تضخم مستويات العجز المالي ليقفز من 48.8 مليون ريال عُماني (اللواتية، 2016) إلى 2.5 مليار ريال عماني ( وزارة المالية، 2020) في الفترة الممتدة من 2010 وحتى 2020، مما أدى إلى ارتفاع الدين العام وتراجع المركز المالي للسلطنة عالمياً. ولا يمكننا تجاهل تداعيات جائحة كوفيد-19 الذي ضرب خاصرة الاقتصاد العُماني في مطلع عام 2020 مخلفاً وراءه أثاراً اقتصادية عميقة في السلطنة، “كتدهور متوسط أسعار النفط وتراجع متوسط إنتاج النفط اليومي الذي أدى إلى هبوط إيرادات النفط والغاز، وانخفاض الناتج المحلي بحوالي 4 مليارات ريال عُماني تبعه تدني الإيرادات الحكومية بأكثر من 13 مليار ريال عُماني، والذي أدى إلى انخفاض التصنيف الائتماني للسلطنة في فترة جائحة كورونا بواقع درجتين” (المسار، 2020).
لنعد بعد هذا المدخل إلى موضوع اهتمامنا حول أبرز التدابير والإجراءات الحكومية المتخذة لاحتواء الأزمة الاقتصادية العُمانية. نجد أن السلطنة اتخذت خطوات متعددة في محاولة إعادة التوازن بين الإيرادات والمصروفات في ميزانية الدولة انطلاقاً من وقف منح العلاوات الاستثنائية لموظفي الدولة، سيما الذين أُحيلوا للتقاعد وذلك في جميع وحدات الجهاز الإداري ( وزارة المالية، 2020)، وتخفيض مكافآت وأتعاب وبدل الحضور بنسبة 50% لمجالس إدارة الهيئات والمؤسسات العامة والشركات الحكومية واللجان التابعة لها ( وزارة المالية، 2020)، وتخفيض الموازنة المعتمدة لجميع الوحدات المدنية والعسكرية والأمنية بنسبة 10%، وتطبيق مركزية الإيرادات العامة للدولة والالتزام بتحصيل كافة الإيرادات من الجهات الحكومية المدنية والعسكرية والأمنية مباشرة في حساب وزارة المالية ( وزارة المالية، 2020)، والتفاوض مع أصحاب العقارات المستأجرة من قبل الوحدات الحكومية لتخفيض إيجاراتها بنسبة لا تقل عن 10%، ووقف الحفلات والفعاليات غير الضرورية كالاحتفالات السنوية وحفلات التدشين ( وزارة المالية، 2020)، ودعوة الشركات الحكومية للإسراع بتطبيق سياسة التعمين والإحلال بالكفاءات العُمانية الوطنية ( وزارة المالية، 2020)، وفي الجهة المقابلة، إحالة العاملين في الشركات الحكومية ممن تجاوزوا سن الستين للتقاعد أُسوة بما هو معمول به في المؤسسات الحكومية، وعدم التمديد إلا في أضيق الحدود (وزارة المالية، 2020).
ووسعت السلطنة دائرة التدابير المالية وإجراءاتها على المدى المتوسط، حيث عملت على صياغة خطة التوازن المالي 2020-2024، بهدف السيطرة على الأوضاع المالية المتدهورة وذلك من خلال دعم النمو الاقتصادي، وتنشيط وتنويع مصادر الإيرادات الحكومية، وترشيد ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وتعزيز منظومة الحماية الاجتماعية، ورفع كفاءة الإدارة المالية العامة، متضمنة مجموعة من المبادرات أبرزها مبادرة تطبيق ضريبة القيمة المضافة، ومبادرة قانون ضريبة الدخل المرتفع، ومبادرة إعادة توجيه دعم الخدمات العامة، وإصدار قانون الأمان الوظيفي. وتتوقع الدولة في حال تطبيق التدابير والإجراءات المالية خفض عجز الموازنة بشكل تدريجي من 15.8% ليصل إلى 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي حتى عام 2024، والذي تأمل ان يعيد الوضع المالي في حدوده الآمنة (وزارة المالية، 2020). الجدير بالذكر هنا أن السلطنة رغم تعثرها اقتصادياً ومالياً إلاّ أنها تكاد تخلو من الالتزامات لصندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، الأمر الذي يرى بعضٌ أنه قد يجعل السلطنة متحررة من شروط الاقتراض التي قد تؤدي إلى أزمات مستقبلية أكبر (سبوتنيك عربي، 2017)، ويتوقع البنك الدولي في تقريره “الآفاق الاقتصادية العالمية” ارتفاع مؤشرات نمو الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة لتسجل معدل يصل إلى 2% في عام 2021 ( The World Bank,2020).
وتقودنا التدابير والإجراءات المالية أعلاه إلى الحديث عن موقف المجتمع العُماني منها، والذي شهد تضارباً في القراءات ووجهات النظر، فقد عقّب عدد من المراقبين أن هذه القرارات الحكومية قرارات قسرية وما هي سوى إعادة استخدام لأموال المواطن إيرادات إضافية لميزانية الدولة من خلال استقطاعات كاستقطاع مبلغ ريال واحد من كل 100 ريال عماني من الرواتب الشهرية لصندوق الأمان الوظيفي (الشبيبة، 2021)، واستقطاع نسبة 50% من العلاوة الدورية السنوية للموظفين الذين يبلغ راتبهم الشهري 900 ريال عماني أو أكثر (التواصل الحكومي،2020)، ودفع ضريبة القيمة المضافة البالغ نسبتها 5% (أثير، 2020)، ورفع الدعم عن بعض الخدمات العامة كالكهرباء والماء (الهنائي، 2020)، ومن جانب آخر يرى بعضٌ أن المجتمع العُماني عليه أن يتعاون لضمان نجاح مشروع عمان الجديدة وكي تتمكن الدولة من الوصول إلى بر الأمان في مراحل العمل القادمة، وأن إرسال الرسائل السلبية عن الوضع المالي والإجراءات الحكومية ليست سوى محاولات لخلق فوضى مجتمعية داخلية لا تخدم أفراد المجتمع والحكومة في شيء، بل تعطل حركته وتقدمه وتحقيقه لأهداف رؤية 2040، وبناء على ذلك فعلى الحكومة اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة وردع كل المحرضين أو ما وصفهم بعضٌ بالطابور الخامس ( المعشني، 2020).
ويرى بعض المراقبين أن الإشكال القائم في شد وجذب بين سياسة الحكومة العُمانية الجديدة والمواطنين نابعٌ من فقدان الثقة المتراكم عبر السنوات الماضية، حيث كانت سياسة الحكومة تتسم بالتحفظ وغياب الشفافية عن البيانات الاقتصادية المتعلقة بالعوائد والفوائد من مشاريعها وأنشطتها (المعشني، 2020)، فلا يمكن تجاهل نسبة الفائض الذي شهدته السلطنة بخزينتها المالية في الفترة الممتدة من 2002 وحتى 2008 (اللواتية، 2016)، وهو ما لم ينعكس على مستوى الحياة الاجتماعية للمواطن في مخرجات مثل ارتفاع مستويات معيشته أو ملاحظة التحسن بشكلٍ ملموس في الخدمات المقدمة له. ولغاية كتابة هذه السطور فإن أدوات المحاسبة والمساءلة لم تأخذ تأطيراً حكومياً واضحاً أمام المجتمع العُماني يقابل الإعلان عن جميع الإجراءات والتدابير المالية السابقة الذكر.
ثالثاً: مستجدات كورونا
بعد تسجيل أول حالتين عمانيتين مصابتين بمرض كورونا المستجد من مسافرين عائدين من الجمهورية الإسلامية الإيرانية (مركز الأخبار عُمان، 2020) أعلنت السلطنة تشكيل اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع الجائحة (مركز الأخبار عُمان، 2020)، حيث اعلنت عن وضع خطة للاستعداد والاستجابة للوباء استناداً إلى المرسوم السلطاني رقم 73/1992 بإصدار قانون مكافحة الأمراض المعدية، وخطة التأهب والاستجابة الوطنية للصحة العامة 2017 لجميع الأخطار (وزارة الصحة، 2020).
وقد أعلنت اللجنة العليا عن أول قراراتها للتعامل مع الجائحة في شهر مارس2020 والمتمثل في تعليق التعليم في كافة المؤسسات التعليمية (وكالة الأنباء العُمانية،2020)، ووقف دخول غير العمانيين إلى أراضي السلطنة باستثناء مواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتطبيق الحجر الصحي على جميع القادمين إلى السلطنة بما في ذلك العمانيين، وإغلاق الحدائق العامة والمتنزهات، وإيقاف إقامة صلاة الجمعة، ووقف التجمعات الاجتماعية مثل مناسبات الأعراس والعزاء (صحيفة عُمان،2021)، وتقليص عدد الموظفين الذين يُطلب منهم الحضور إلى مقرات العمل في وحدات الجهاز الإداري للدولة، وإغلاق كافة الأنشطة التجارية في جميع المحافظات مع وجود بعض الاستثناءات، وتفعيل عمل المتطوعين في السلطنة (أثير،2020)، وإنشاء الصندوق الوقفي لدعم الخدمات الصحية وغيرها من القرارات التي اتخذت لاحتواء فيروس كورونا من الانتشار (الرؤية، 2020).
وحتى كتابة هذه السطور، كشفت آخر الاحصائيات المنشورة عن وزارة الصحة عن تسجيل 159,218 إجمالي الحالات المصابة بفيروس كورونا، وبلغ المعدل التراكمي للوفيات 1,678 حالة وفاة مسجلة (وزارة الصحة،2021)، وتجدر الإشارة إلى أن السلطنة كانت من ضمن الدول التي أدرجت في قائمة حظر السفر منها إلى المملكة المتحدة ضمن إجراءات مكافحة انتشار فيروس كورونا (GON.UK,2020) . وفي الجهة المقابلة قررت السلطنة “تعليق دخول المسافرين القادمين من عشر دول تشهد انتشاراً لسلالات الفيروس الجديدة، وهي: السودان، لبنان، جنوب أفريقيا، البرازيل، نيجيريا، تنزانيا، غانا، غينيا، سيراليون، إثيوبيا” (مطارات عُمان، 2021).
وفيما يرتبط باللقاح في سلطنة عُمان فقد بلغ إجمالي عدد المطعمين 132,493 شخصاً حتى تاريخ 31 مارس 2021 (وزارة الصحة، 2021)، وتعد السلطنة “أقل دول مجلس التعاون الخليجي في التطعيم ضد فيروس كورونا بحسب آخر احصائيات منشورة” (البلوشي، 2021)، حيث كانت حملة التطعيم بلقاح فايزر بيونتيك المضاد لفيروس كورونا كوفيد-19 على مرحلتين للفئات العاملة في الخطوط الأمامية والمصابين بالأمراض المزمنة وكبار السن، علماً بأن الوزارة واجهت في المرحلة الثانية إشكالية تأخير الشركة المصنعة في توريد الجرعات المتفق عليها (وزارة الصحة، 2021)، مما أدى إلى تغيير خططها لتطعيم المواطنين (أخبار العالم العربي،2021). وفي المرحلة الثالثة استخدمت وزارة الصحة لقاح أكسفورد-أسترازينكا (الراشدي،2021) الذي أحدث جدالاً طويلاً بين أفراد المجتمع حول مأمونية اللقاح. وجاء الرد في بيان وزارة الصحة على أنها “لم تسجل أية آثار جانبية جسيمة للقاحات المستخدمة ضد مرض كوفيد-19، ولاتوجد أفضلية بين اللقاحات المستخدمة حالياً في السلطنة من حيث الفاعلية والمأمونية” (وزارة الصحة، 2021).
ومع الجهود المبذولة من قبل السلطنة للتقليل من حدة انتشار جائحة كورونا وآثارها إلا أنها تركت أضراراً كبيرة على القطاعات التنموية المختلفة والقطاع الاقتصادي على وجه الخصوص كالفنادق والمطاعم، والنقل والتخزين، وقطاع تجارة الجملة والتجزئة، وعلى الشركات الصغيرة والعاملين لحسابهم الخاص نتيجة انخفاض الطلب الداخلي وانهياره بسبب إغلاق الحدود (جامعة السلطان قابوس، 2020). وقد أشار التقرير السنوي للاتحاد العام لعمال السلطنة إلى أبرز القضايا التي وردتهم خلال عام 2020 والمتمثلة في قضايا الإنهاء الجماعي لعقود العمل حيث بلغ عدد المسرحين 6,341 عاملاً، والتأخير في صرف الأجور تحت ذريعة تداعيات الأزمة الاقتصادية، فضلاً عن 1,971 شكوى واستفسار عمالي، وشارك الاتحاد في 36 محضر تسوية واتفاقية جماعية (الاتحاد العام لعمال، 2021).
رابعاً: المستجدات السياسية الخارجية
عُمان ومستقبل التطبيع
ظَلَت طبيعة العلاقات بين سلطنة عُمان والكيان الصهيوني ضبابية أمام المجتمع العُماني والدولي في السنوات الماضية، وقد تعمق ذلك في المواقف السياسية المتكررة بتأييد السلطنة لقرارات تطبيع الدول العربية مع الكيان، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة (وكالة الأنباء العُمانية ،2020)، ومملكة البحرين (وكالة الأنباء العُمانية، 2020)، والمملكة المغربية (وزارة الخارجية، 2020). ويرى بعضٌ أن تأييد وزارة الخارجية العمانية لتطبيع الدول العربية يمثلها دون الشعب العُماني. وقد وثق الرفض الشعبي ببيان منشور يؤكد على أن “أبناء عُمان من كتاب وأدباء ومثقفين وصحفيين ومهنيين، من أجيال مختلفة وأطياف متنوعة يرفضون رفضاً قاطعاً فصلهم عن قضيتهم المركزية؛ القضية الفلسطينية داعين الأنظمة المطبّعة مع إسرائيل العودة إلى رشدها واحترام إرادة ووجدان شعوبها الذي تمثل فلسطين فيه الركن الأساس…” (حملات المجتمع، 2020). وصاحب البيان السابق بيان من المفتي العام للسلطنة مضمونه: “إن تحرير المسجد الأقصى وتحرير جميع الأرض من حوله من أي احتلال واجب مقدس على جميع الأمة ودَيْنٌ في رقابها جميعاً يلزمهم وفاؤه، وإن لم تواتهم الظروف وتسعفهم الأقدار فليس لهم المساومة عليه بحال، وإنما عليهم أن يَدَعُوا الأمر للقدر الإلهي، ليأتي الله بمن يشرفه بالقيام بهذا الواجب” (الخليلي، 2020). ومما تجدر الإشارة إليه هنا غياب موقف البرلمان العُماني الممثل بمجلس الشورى في هذا الموضوع حتى كتابة هذه السطور (الشيزاوي، 2020).
وعن مستقبل التطبيع مع الكيان، أشارت بعض التقديرات إلى أن سلطنة عُمان هي الدولة العربية القادمة التي قد تدخل في حيز اتفاقيات التطبيع (كوهين، 2020)، ومع علاقاتها المتينة بإيران التي تعارض هذه الاتفاقيات باعتبارها تهديداً للأمن القومي الإيراني (أولريشسين، كافيرو، 2020) فلا يمكن تجاهل موقف السلطنة الذي انعكس بتأييدها للدول العربية المطبّعة عام 2020 (الحرة، 2020)، ويقابل هذا الرأي وجهة نظر معاكسة ترى أن السلطنة تحاول من خلال موقفها التوازن بين إرداة الشعب العُماني الرافض للتطبيع وإرادة الدول المطبعة، فلن تفرط السلطنة بثقلها وإرثها السياسي التاريخي لتخطو مثل هذه الخطوة. (الكاسبي،2020).
مقدمات للمصالحة الخليجية
تناقل الإعلام الرسمي الخليجي أنباءً عن تسليم الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية سابقاً يوسف بن علوي رسالة من السلطان هيثم بن طارق إلى أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد – رحمه الله – دون طرح تفاصيل الرسالة (عربي21، 2020)، إلا أن بعض المصادر ذكرت بأن الرسالة دعوة إلى “البحث في التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه المنطقة وفي الجهود المبذولة ولاسيما ما يرتبط بالمصالحة الخليجية” (وطن، 2020). ومع مرور أشهر من تبادل الرسائل والاتصالات الهاتفية بين الدول الخليجية الشقيقة “رحبت السلطنة بالبيان الصادر من دولة الكويت حول النتائج الإيجابية لجهود المصالحة والتي تعكس حرص كافة الأطراف على التضامن والاستقرار الخليجي والعربي بهدف الوصول إلى اتفاق نهائي يحقق التضامن الدائم بين جميع الدول وبما فيه الخير والنماء والازدهار لجميع شعوب المنطقة” (الشبيبة، 2020). وأشار محللون سياسيون إلى أن نجاح مساعي المصالحة الخليجية يستدعي “ضرورة إقرار ميثاق شرف سياسي يوصّف مستقبل الخلافات ويحدد كيفية التعامل معها كجزء بمعزل عن الكل، وإقرار ميثاق شرف إعلامي يحد من الاسفاف والحط في الخطاب الإعلامي” (المعشني،2020). ومع اهتمام السلطنة بملف المصالحة الخليجية إلا أن وكالة الأنباء العُمانية الرسمية أعلنت عن عدم حضور السلطان هيثم بن طارق القمة الخليجية الحادية والأربعين (وكالة الأنباء العُمانية،2020)، ورجحت بعض المصادر سبب الغياب إلى “عدم وضوح الرؤى من دوافع عقد القمة فالأطراف المعنية لم تبدِ نوايا حقيقية للمصالحة” (إبراهيم ، 2021). وقد علّق مصدر دبلوماسي عُماني أن السلطان هيثم بعث من يمثله وهو السيد فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء، مؤكداً أن غياب السلطان عن القمة لا يرتبط بأي خلفيات سياسية أو اقتصادية (الدرر الشامية، 2021).
في جدلية المعاهدات الدولية والقانون العُماني
وعلى مستوى المعاهدات الدولية، فمذ تولي السلطان هيثم بن طارق الحكم، وافقت عمان على الانضمام لثلاثة اتفاقيات دولية وهي الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري (مرسوم 44/ 2020)، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية وغير الإنسانية أوالمهينة (مرسوم 45/ 2020)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (مرسوم 46/ 2020)، ليصبح المجموع الكلي للاتفاقيات الدولية الأساسية المصادقة في سلطنة عمان سبع اتفاقيات، مقابل اتفاقيتين دوليتين لم يُصادق عليها حتى كتابة هذه السطور وهما: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم. وبالنظر إلى القيمة القانونية للاتفاقيات والمعاهدات الدولية فإن المادة (49) والمادة (93) من النظام الأساسي للدولة (6/2021) تدلل على أن مكانة القانون العُماني أعلى من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تعلن إرادة السلطنة قبولها أو رفضها وفق قانونها الداخلي، حيث يصاحب تصديق السلطنة على عدد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بعض التحفظات المبنية على مخالفة تلك الاتفاقيات للتشريعات المعمول بها.
خامساً: المستجدات البيئية
بحسب رؤية عمان 2040، فإنها تنوي أن تضع الاهتمام بالبيئة العُمانية ومواردها الطبيعية من أولوياتها، حيث تسعى الرؤية إلى دفع مؤشر الأداء البيئي من معدل 51.32 بتصنيف 116 من 127 دولة عام 2018 إلى معدل 74.69 لتكون السلطنة من أفضل 20 دولة عام 2040 (مكتب رؤية عُمان،2020). وقد احتفلت السلطنة بيوم البيئة العُماني في الثامن من يناير لهذا العام تحت شعار “مجتمع متعاون لبيئة مستدامة” (الرؤية، 2021)، والجدير بالذكر، استبدال مسمى وزارة البيئة والشؤون المناخية بمسمى هيئة البيئة، لتكون متخصصة في حماية البيئة العُمانية واستدامتها ومكافحة التلوث وصون الطبيعة ونشر الوعي المجتمعي (مرسوم 106/ 2020). وعلق محللون بأن “حل وزارة البيئة والشؤون المناخية السابقة التي كان لها تمثيل في مجلس الوزراء قد يعرّض عملية التقدم في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية في عُمان إلى الخطر، ويعرقل تحقيق رؤية 2040 القائمة على مواءمة السياسات المناخية والبيئة مع غيرها من سياسات التنمية الاقتصادية، وقد يساعد هذا التقسيم على التداخل أو التفكك في السياسات المتعلقة بالبيئة والمناخ والطاقة لا سيما أن قضايا سياسة الطاقة، مثل مصادر الطاقة المتجددة، تخضع لإشراف هيئة ثالثة وهي وزارة الطاقة والمعادن (وزارة النفط والغاز سابقاً)” (Al-Sarahi,2020).
وفي إطار الاختصاصات أُصدر قرار وزاري بحظر استخدام أكياس التسوق البلاستيكية أحادية الاستهلاك، وفي حالة الإخلال تفرض غرامة لا تقل عن 100 ريال عُماني، ولا تزيد عن 2000 ريال عماني (مرسوم 23/ 2020). وقد أجرت هيئة البيئة استطلاعاً عن استعداد تطبيق هذا القرار من قبل المستهلكين، وأتضح أن أكثر من 61% مستعدون لبدء القرار في الأول من يناير عام 2021 (الشبيبة، 2020).
وتماشياً مع ما سبق من مستجدات بيئية، تركت جائحة كورنا أثراً بالغاً على البيئة العُمانية عام 2020 حيث فُرض نظام العمل الجزئي والحظر الجزئي والكلي أكثر من مرة خلال الفترة المنصرمة. وعلى إثر ذلك لم تُسجل أية حالات للتلوث البحري أو تلوث التربة، وانخفضت نسبة التلوث من عوادم السيارات والمصانع. وفي المقابل سجلت بعض من حالات التعدي على الحياة البرية في السلطنة، مثل تسجيل حالات لاصطياد غزلان ووعول ودجاج بري في بعض من محافظات السلطنة، وقطع الأشجار البرية (الاحتطاب غير المصرح به)، ومحاولات تهريب الروبيان وبعض الحيوانات عبر الحدود (السنيدي، 2020).
ومن أبرز ما طرأ في عام 2021 حول البيئة العُمانية القرار الوزاري رقم (2021/14) بخصوص تنظيم الإشغالات المؤقتة في سهل صلالة (الوطن،2020). وتضمن القرار “منع إقامة المخيمات العائلية في منطقة السهل الممتدة من ناشب إلى ريسوت، ومنع رعي الإبل في منطقة السهل الممتدة من ناشب إلى ريسوت، وتخصيص مواقع في منطقة القطن لرعي الإبل، وتخصيص مواقع لمحلات تجارية في مواقع الإبل في القطن، ويجوز للبلدية توقيع عقود انتفاع مع المستفيدين من مواقع رعي الإبل في القطن” (بلدية ظفار، 2021). وقد دشن المغردون العمانيون على خلفية هذا القرار وسم #نقل_تبعية_سهل_ظفار حيث رفض الناشطون في قضايا المجتمع والبيئة نقل السهل إلى وزارة الإسكان والتخطيط العُمراني (وطن،2021) وعليه قامت السلطات الأمنية باعتقال كل من الناشط البيئي الدكتور أحمد عيسى قطن (المركز العماني لحقوق الانسان، 2021)، وسالم المعشني، وعامر مسلم بيت سعيد (عمرو الحكلي) على خلفية آرائهم ووجهات نظرهم المنشورة حول نقل تبعية سهل ظفار (المركز العُماني لحقوق الإنسان،2021).
ختاماً
قد تعكس حزمة المراسيم السلطانية الصادرة عن سلطان عُمان والتي بلغت حتى نهاية عام 2020 ما يقارب (132) مرسوماً سلطانياً إمكانيةَ وجود تحولات نوعية في محاولة إعادة تشكيل النظم الداخلية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك من خلال محاولة تعديل مسار هيكلة الجهاز الإداري للدولة، والتعيينات المستجدة في مجلس الوزراء، واتخاذ مجموعة من التدابير المالية لرأب التصدعات العميقة الذي عانى منه النسق الاقتصادي العُماني خلال عشر السنوات الأخيرة، وفي محاولات لتفادي تداعيات جائحة كورونا على القطاعات التنموية المختلفة شُكِلت اللجنة العليا المكلفة بالبحث عن آلية التعامل مع الوباء، بينما ظلت السياسة العُمانية الخارجية تتمحور حول سمعة السلطنة بأنها فاعل سياسي حيادي لحلحلة الملفات الخليجية والإقليمية. ويمكن أن نسلط الضوء في هذه الخاتمة على كون الملف الاقتصادي هو الملف الأبرز الذي تقف عليه الحكومة العُمانية في محاولة استرداد مكانتها في التصنيف الائتماني واعتمادها على سياسة دفع الثمن من خلال أفراد المجتمع. ونختم بالسؤال الأكبر هُنا: هل هذه المقدمات ستكون كافية لتحقيق رؤية عُمان 2040، وماذا ستكون ارتداداتها على المواطن ومبدأ المشاركة في القرار؟