قبل يومين، فاز المرشّح الجمهوري دونالد ترامب بأغلبية الأصوات في ولاية نيڤادا، ليصبح رصيده ٧٩ نقطة في حين أن أقرب منافسيه- تيد كروز- لديه ١٦ نقطة. صحيح أن السباق حتى الآن يعتبر في بداياته، وأن هذه النتائج ليست حاسمة، لكن نسبة كبيرة من الأصوات الداعمة لترامب تعود لموقفه الحازم من قضية المهاجرين والأمن القومي، ولعل أكثر القضايا إثارة للجدل تتمثّل في الوعد الذي تقدّم به بأنه سيمنع المسلمين من غير المواطنين من الدخول لأمريكا مؤقتاً. سنحاول في هذه التدوينة الإجابة على سؤالين: الأول، ما الذي يدفعه لاستهداف هذه الشريحة من الناس؟ أما الثاني: هل يستطيع تنفيذ مثل هذا الوعد؟
منع المسلمين: تكتيك انتخابي؟
عدد المسلمين في أمريكا ٢،٧٥ مليون، أي أن نسبتهم تقارب ١٪ من مجموع السكان الأميركيين، وقرابة ٧٠٪ منهم يصوّت للحزب الديمقراطي، في حين أن هناك قرابة ١١٪ فقط يصوتون للحزب الجمهوري. هذا يعني أن وزنهم الإنتخابي هامشي مقارنة بالسود (١٣٪) أو اللاتيينيين (١٧٪)، أو اليهود (١.٩٪). هذا الوزن الانتخابي الضعيف بالنسبة للجمهوريين، يجعل استهدافهم عملية غير مكلفة من ناحية خسارة الأصوات. في حالة ترامب، مثل استهداف المسلمين خطوة انتخابية مفيدة، فالشكل التالي يوضح كيف أن التغطية الإعلامية لترامب (اللون الأزرق الفاتح) ازدادت بشكل كبير بعد إطلاقه هذا التصريح في أعقاب تزايد عمليات تنظيم الدولة الإسلامية على الدول الغربية:
بالإضافة لزيادة التغطية الإعلامية، فإن مثل هذه الوعود تجد قبولاً عند الشريحة التي يستهدفها ترامب، ففي استطلاع أجراه مركز أبحاث الأديان حول مؤيدي ترامب في ٨ ديسمبر، وجد أن أغلبيتهم ينتمون لطبقة العمال البيض، من الذين يعتقدون أن مسألة المهاجرين مسألة جوهرية بالنسبة لهم. فيما يتعلق بالمسلمين، وجد الاستطلاع أن غالبية مؤيدي ترامب يعتقدون أن قيم الإسلام تتعارض مع القيم الأميركية. هذه النتيجة تتوافق مع ما وجده استطلاع قامت به مؤسسة بيو من أن الجمهوريين يتبنون آراء أكثر سلبية اتجاه الإسلام والمسلمين من الديمقراطيين. ولهذا كله نجد أن استغلال ترامب لأحداث باريس وكاليفورنيا من أجل المطالبة بمنع المسلمين لا تهدده انتخابيا، بل تزيد من حضوره الإعلامي ومن دعم مؤيديه إن لم يكن زيادتهم أيضا.
هل يستطيع تنفيذ هذا الوعد؟
هذا السؤال ينقسم لقسمين، الأول إجرائي: هل مثل هذه القرارات تعتبر من صلاحيات الرئيس، أم من صلاحيات الكونجرس؟ أما الثاني فهو دستوري: هل مثل هذا القرار يتعارض مع الدستور الأمريكي؟ سنحاول الإجابة على كل سؤال على حدة.
١- الرئيس الأمريكي والقيود على الداخلين إلى أمريكا
كما هو معروف، فإن النظام السياسي الأمريكي ينقسم إلى ثلاث سلطات: سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية وسلطة قضائية. بشكل مبسّط، تقوم السلطة التشريعية (ومؤسستها الأهم هي الكونجرس) بإصدار القوانين والتشريعات، في حين تقوم السلطة التنفيذية (والرئاسة هي مؤسستها الأهم) بتنفيذ القوانين والتشريعات، أما السلطة القضائية فتملك صلاحية الرقابة الدستورية على القوانين المصدرة وعلى تطبيقها. من هذا قد يتبادر إلى الذهن من هذا العرض المبسّط، أن الكونجرس هو من لديه صلاحية تحديد من يحق له الدخول لأمريكا من غير المواطنين، إلا أن الموضوع أعقد من ذلك. فالكونجرس في كثير من الحالات ينزع إلى تفويض السلطة التنفيذية لاتخاذ القرار في الكثير من المسائل والقضايا، للدرجة التي تصبح القضية بكاملها خاضعة لتقدير الجهة التنفيذية، ومسألة الدخول إلى أمريكا لغير المواطنين هي واحدة من هذه المسائل.
داخل السلطة التنفيذية هناك أربع جهات تلعب دوراً مهماً في مسألة الدخول إلى أمريكا والإقامة فيها وطلب الهجرة لغير المواطنين، هذه الجهات هي وزارة الخارجية ووزارة العدل ووزارة الأمن الوطني ووزارة العمل. ولأن اهتمامنا يتركّز حول قرارات من يدخل ومن لا يدخل، فعلينا أن نبدأ بالصلاحيات الممنوحة لوزارة الخارجية، لأنها هي من تشرف على القنصليات المنتشرة حول العالم والتي تقوم بمنح تأشيرات الدخول لأمريكا. قانون الهجرة الأمريكي يحدّد مجموعة أصناف (بناءً على مبررات فضفاضة صحيّة، أو جنائية، أو أمنية، وغيرها) يمنع دخولها لأمريكا، وهو يمنح القنصل سلطة تقديرية شبه مطلقة لتقرير ما إذا كان متقدم طلب الفيزا تنطبق عليه هذه الأسباب أم لا. فالموظف القنصلي (الذي يقابلك أثناء المقابلة لطلب الحصول على الفيزا) يحق له رفض طلبك دون إبداء أسباب، ذلك أن المحكمة العليا قد أقرت مبدأ عدم المسائلة القنصلي والذي يجعل قرار القنصل نافذاً وغير قابل للمراجعة القضائية، وبالتالي حرمان المتقدم للتأشيرة من أي حق بالاستفسار عن أسباب رفض طلبه، أو الاعتراض عليه، أو التظلّم منه. في هذا المجال، يملك وزير الخارجية (الذي يختاره الرئيس بحرية) سلطة تقديرية (فوضها إياه الكونجرس) بأن يحدد المعايير التي يقرر بناء عليها الموظف القنصلي قبوله لطلب الفيزا أم لا.
لنفرض أن طلب الفيزا تمت الموافقة عليه، فهذا لا يعني أن غير الأمريكي يحق له دخول أمريكا، ذلك أن عليه أن يمرّ على جهاز حكومي آخر هو وحدة حماية الحدود في وزارة الأمن الوطني المكلّفة بمراقبة من يدخل ومن يخرج من الولايات المتحدة، وهو الموظف الذي يقابلك في المطار قبل دخولك لأمريكا. فقانون الهجرة منح هؤلاء الموظفين سلطة تقديرية في تحديد ما إذا كان هذا القادم يسمح له بالدخول أم لا، فإن قرر أنه غير مسموح له الدخول، فإنه يضيفه لقائمة المبعدين. يحق لمن يدخل قائمة المبعدين أن تعقد له جلسة استماع للنظر في ما إذا كان وضعه في هذه القائمة صحيح أم لا، لكن الهيئة التي تنظر في هذه الجلسة مكونة من “قضاة هجرة”، وهم عبارة عن موظفين في وزارة العدل، التي هي جزء من الجهاز التنفيذي، أي أنها خاضعة لصلاحية الرئيس.
بالإضافة لهذه الصلاحيات التي فوضها الكونجرس للسلطة التنفيذية، فهناك أيضا صلاحيات للرئيس على موضوع الهجرة متضمنة في كونه رئيساً، أي أنه لا يستمدها من الكونجرس. ففي الأربعينات، قام الرئيس روزفلت بالاتفاق مع حكومة المكسيك على استقدام عمالة منها، وهذا البرنامج تم التخطيط له وتنفيذه بدون أخذ إذن من الكونجرس.
يظهر إذن، وانطلاقاً من هذا النظام القائم الذي يحكم سياسة الهجرة وقبول الأجانب في الولايات المتحدة، أن السلطة التنفيذية ممثلة بالرئيس لديها الصلاحيات الكافية لسن أي معايير أو قوانين حتى لو كانت على أساس الدين أو العرق لمنع من تشاء من غير المواطنين الدخول لأمريكا.
٢- إن كان الرئيس يستطيع سن مثل هذا القرار بدون الحاجة لموافقة الكونجرس، فهل سيكون دستوريا؟
لا يقول الدستور أي كلمة فيما يتعلق بموضوع الدخول إلى أمريكا. أما بالنسبة للحقوق والحريات الفردية فقد قررت المحكمة الدستورية- في قضية نظرت عام ١٩٧٢م عندما تم منع مفكر ماركسي بلجيكي من دخول الولايات المتحدة- أنها ليست مكفولة للأجانب خارج الولايات المتحدة. والأساس الذي استندت عليه المحكمة هو مبدأ القوّة المطلقة للسلطتين التنفيذية والشرعية، حيث قررت المحكمة العليا في عام ١٨٨٩م في قضية لعامل صيني رُفِض دخوله البلاد أن مسألة الهجرة ودخول الأجانب للبلاد يقع كلياً في يد السلطتين السياسيتين وأن ليس للمحكمة أي رقابة دستورية في هذه المسألة. أما كيفية تنظيم هذه المسألة بين السلطتين، فإن المحكمة الدستورية تأرجحت بين جعلها مشتركة بين التنفيذية والتشريعية وبين جعلها حصرياً خاضعة لصلاحية الرئيس، حيث ذكرت في أحد القضايا أن ” إبعاد الإجانب حق لا ينبع من السلطة التشريعية فقط، بل هو أيضاً متضمن في السلطة التنفيذية كونها تدير الشؤون الخارجية للأمة“.
من هذا كله، نرى أن السوابق القضائية لا تترك أرضية لرفض منع المسلمين من دخول أمريكا، بل إن ما يوجد يقف لصالح مثل هذا القرار لو تمّ اتخاذه.
حسناً، هل سيفعلها؟
١- يوم الثلاثاء القادم (١ مارس) سيكون يوماً حاسماً في تحديد مصير أي المترشحين سيفوز، ذلك أنه في هذا اليوم ستصوت قرابة الثلاث عشرة ولاية. وهذا اليوم سيوضح موقع المرشحين على الخارطة.
٢- في حال فاز ترامب بمقعد المرشحين، فإن عليه أن يقنع غير الجمهوريين حتى يفوز على الديمقراطيين، وفي هذه المرحلة (من شهر يوليو حتى نهاية شهر أكتوبر) ربما يستخدم ترامب تكتيكات انتخابية مختلفة معتدلة من أجل الوصول إلى شريحة من خارج من الحزب الجمهوري ليؤمن فوزه بالانتخابات. إذا حدث هذا، فهذا سيكون مؤشراً كبيراً على أن وعده بمنع المسلمين ليس إلّا كلاماً انتخابياً فقط. لكن في حال استمر بنفس الخطاب حتى بعد انتهاء السباق الجمهوري، فإن هذا يعني أنه من الممكن أن يفعلها.