سوريا: أدوات أم شركاء في تحرير فلسطين؟

عبدالرحمن فياض

كاتب المقالة

عبدالرحمن فياض

باحث في علم الاجتماع السياسي

ظهرت موجة من الاتهامات بالخيانة والانتقاص من عروبة أحمد الشرع بعد تصريحه بأن “الوضع السوري المنهك لا يسمح بدخول حرب مع إسرائيل”. رأى كثيرون في هذا تخلّياً عن القضية الفلسطينية، وطالبوه بالدخول فوراً في حرب مع إسرائيل لإثبات عروبته وتضامنه مع فلسطين. لكن هذا التصريح في جوهره يشي برؤية واقعية ومنطقية، وهو ليس خذلاناً بل إقرار بحقائق الواقع. لست هنا مدافعاً عن أحمد الشرع، بل عن الفكرة الجوهرية التي قالها: إن الأولوية هي لحفظ الحقوق والحريات والتنمية والتطور، وليس خوض حروب عبثية وعشوائية.

الدعوات التي تتجاهل الوضع السوري الحالي وتطالب بحرب مباشرة مع إسرائيل تتسم بالسذاجة المفرطة. سوريا اليوم بلد منهك من حرب إسقاط النظام، والدمار الهائل الذي أصاب بنيته التحتية، والانقسام السياسي والمجتمعي العميق. دولة في هذا الوضع ليست مؤهلة لخوض مواجهة عسكرية مع قوة كإسرائيل. فالحرب ليست شعاراً يُرفع، بل عملية تتطلب دولة مستقرة ذات جيش قوي، واقتصاد داعم، ومجتمع موحد. فقد هذه العناصر يصيّر الحرب كارثة تزيد معاناة الشعب السوري ولا تنجز شيئا للقضية الفلسطينية.

من يطالبون بخوض الحروب بلا نظر إلى الواقع يعدّون الدولَ والشعوبَ العربية أدوات تُستخدم لتحقيق أهداف القضية الفلسطينية. هذه النظرة تُهمش حقوق الشعوب العربية في الحياة الكريمة والتنمية والاستقرار. القضية الفلسطينية ليست قضية منفصلة عن محيطها، لكنها ليست مبرراً لإغفال الأولويات الوطنية لكل بلد عربي. الشعب السوري، الذي عانى القمع عقوداً وكابد حرب إسقاط النظام والتهجير، لا يمكن مطالبته بمزيد من التضحيات بلا ضمان حقه في الأمن والاستقرار.

تصريح أحمد الشرع يعكس فكرة أعمق، وهي أن سبيل نصرة القضية الفلسطينية إنما هو ببناء دولة قوية ومستقرة. الدول المهترئة والمنهكة لا تحرر الأراضي ولا تحقق العدالة. إذا كانت سوريا دولة ديمقراطية مستقرة، قوي جيشها مزدهر اقتصادها؛ فإنها ستناصر فلسطين مناصرة حقيقية، سياسية أو عسكرية. أما الآن، فالحرب مغامرة عبثية تزيد تآكل ما بقي من قدراتها الوطنية.

ذروة السنام اليوم ليست الحرب العشوائية، بل بناء سوريا دولة حرة ومستقلة. تنمية سوريا وترسيخ الحرية فيها وبسط العدالة على أرجائها ليست خيانة لفلسطين، بل هو تعزيز لفرص تحريرها. المنطقة العربية بحاجة إلى دول قوية وقادرة، وليس إلى دول مدمرة تسعى جاهدة للبقاء. الفلسطينيون أنفسهم لا يستفيدون من حروب خاسرة أو من شعارات جوفاء، بل من محيط عربي مستقر وقوي يمكنه الضغط سياسياً وعسكرياً على إسرائيل.

هذه الدعوة إلى التركيز على الحقوق والتنمية ليست انسحاباً من القضية الفلسطينية، بل ترتيب للأمور. تحرير فلسطين مشروع طويل الأمد، ولن تكسبه دول منهكة وشعوب مرهقة. بناء الداخل العربي وتحقيق الديمقراطية والتنمية خطوة عظيمة لتحرير فلسطين وتحقيق السلام والعدالة في المنطقة كلها.

شاركنا بتعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *