من أهم آثار هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 على المنطقة العربية، بُعد الأنظمة السياسية الحاكمة عن الجماعات الإسلامية وزيادة قربها من الولايات المتحدة الأمريكية، والحالة اليمنية ليست بعيدة عن هذا، فقد اعتمد الحزب الحاكم في اليمن منذ الوحدة عام 1990م التحالف مع حزب الإصلاح لإقصاء خصومه واستمراريته، لكن سرعان ما انفضّ هذا التحالف بعد الحادي عشر من سبتمبر وذلك بسبب العامل الأمريكي، فقد تقارب نظام علي صالح مع الولايات المتحدة الأمريكية، فانتقلت علاقة النظام الحاكم مع حزب الإصلاح من الشراكة إلى التنافس على السلطة.
الوحدة اليمنية وفترة التوافق بين “التجمع اليمني للإصلاح” و”المؤتمر الشعبي” (١٩٩٠-٢٠٠١)
أدت نهاية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي عام 1989م إلى فقدان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أو ما تعرف بدولة اليمن الجنوبي حليفها وداعمها القوي. ففي تلك الفترة كانت هناك دولتان يمنيتان: اليمن الجنوبي الذي كان يحكمه الحزب الاشتراكي اليمني، والجمهورية العربية اليمنية، أو اليمن الشمالي، الذي كان يحكمه حزب المؤتمر الشعبي العام بقيادة علي عبدالله صالح، أدى هذا الظرف الدولي وظروف أخرى محلية، لدفع قيادات الدولتين لعقد مباحثات الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب، وفعلا اتفق الطرفان، بقيادة الحزبين المهيمنين، على قيام وحدة اندماجية فورية في 22 مايو من عام 1990، حيث اتفق على تقسيم السلطة بين حزب المؤتمر الشعبي والحزب الاشتراكي وفقا للدستور الجديد الذي كتب عام 1990.
مع إعلان الجمهورية اليمنية الموحدة في 1990 في مايو 22، أعلن تشكيل الأحزاب السياسية وتكونت التركيبة الجديدة للدولة اليمنية الوليدة مع ظهور طائفة من الأحزاب مع الحزبين الرئيسيين حزب المؤتمر الشعبي والحزب الجنوبي الاشتراكي. سعى صالح لظهور حزب ثالث يكون حليفا له ومنافسا للحزب الاشتراكي، يذكر الباحث الأمريكي جريجرونسينان” أن صالح قد رحب بعودة المجاهدين من أفغانستان خلاف البدان العربية الأخرى، حيث شعر أنه سيحتاجهم في وقت لاحق إذ كان يحلم في سحق النظام الشيوعي في الجنوب، وقد استغل كره المجاهدين لهذا النظام، وقد حقق صالح حلمه عندما انهار الاتحاد السوفييتي وخسر الشيوعيون دعم موسكو، وسارع لإعلان الوحدة مع الجنوب وقد استخدم المجاهدين ضد الانفصاليين الجنوبيين”.
وفعلا، شجع صالح نشوء حزب الإصلاح ذي التوجه الإسلامي.، وكان للشيخ عبدالله بن حسين الأحمر أثر في تشكيل الحزب. فالأحمر زعيمٌ لتجمع حاشد القبلي وأول رئيس لهيئة التأسيس في حزب التجمع للإصلاح، واستمر في منصبه هذا حتى وفاته أواخر 2007. كان الرجل يتمتع بعلاقات جيدة مع حزب المؤتمر والرئيس علي صالح، وقد صرح الشيخ أن علي عبد الله صالح طلب منهم تشكيل الحزب ليكون سنداً له ولحزبه في مواجهته للحزب الاشتراكي شريكه في دولة الوحدة، يقول: “وطلب الرئيس منا بالذات مجموعة الاتجاه الإسلامي وأنا معهم أن نكوِّن حزباً في الوقت الذي كنا لا نزال في المؤتمر. قال لنا: كوِّنوا حزباً يكون رديفاً للمؤتمر، ونحن وإياكم لن نفترق وسنكون كتلة واحدة، ولن نختلف عليكم وسندعمكم مثل المؤتمر” قال: “إن الاتفاقية تمت بيني وبين الحزب الاشتراكي… وبيننا اتفاقيات لا أستطيع أتململ منها، وفي ظل وجودكم كتنظيم قوي سوف ننسق معكم بحيث تتبنون مواقف معارضة ضد بعض النقاط والأمور التي اتفقنا عليها مع الحزب الاشتراكي، وهي غير صائبة، ونعرقل تنفيذها، وعلى هذا الأساس أنشأنا التجمع اليمني للإصلاح”. وفي 19 سبتمبر 1990 أعلن رسميا عن ميلاد التجمع اليمني للإصلاح من أكثر من 1200 شخصية مؤسسة اختير ستون منهم ليشكلوا لجنة تحضيرية للإصلاح يمثلون مختلف فئات المجتمع اليمني، ومن جميع محافظات اليمن.
استطاع حزب الإصلاح جلب كثير من المؤيدين اليمنيين وأبرز نفسه من خلال النتائج الانتخابية في اليمن عام 1993، ففحاز المرتبة الثالثة في الانتخابات البرلمانية بـ 66 مقعدا و 20% من مجموع أصوات الناخبين المشاركين في الاقتراع، بينما حصل المؤتمر الشعبي على 41% من الأصوات، والاشتراكي حصل 26% من الأصوات. وبهذه النتيجة انضم الإصلاح مع المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي في ائتلاف حكومي ثلاثي، حيث حصل الإصلاح على خمس وزارات ومنصب نائب رئيس الوزراء، استمر حوالي عام واحد فقط بعد خروج الحزب الاشتراكي. كانت النتيجة مخيبة لآمال الحزب الاشتراكي وزعم أن الانتخابات مزورة، إذ طالب رئيس الحزب علي سالم البيض بحكم ذاتي لجنوب اليمن، وتمثيل متساوي في المناصب بين الجنوبيين والشماليين، وزادت حدة الخلاف وأصر البيض على موقفه الرافض لأي شيء أقل من نصف السلطة مع حزب المؤتمر الشعبي العام، وصلت المحادثات إلى طريق مسدود، وازدادت عدم الثقة بين الطرفين حتى نشوب الحرب الأهلية بين الطرفين سنة 1994.
كان حزب الإصلاح منذ نشأته مشاركا للسلطة أكثر من كونه معارضا. وتبين ذلك من خلال مساندته سلطة علي صالح للقضاء على الحزب الاشتراكي في الحرب الأهلية بين الشمال اليمني والجنوب اليمني، وحسم مسألة الوحدة في اليمن لصالح السلطة في الشمال وخروج الحزب الاشتراكي من السلطة. بعد حرب 1994، عُدل الدستور وغدا مناقضاً لدستور الوحدة عام 1990، وصار حزب التجمع للإصلاح بعد هذه التعديلات شريكاً في الحكم بعيدا عن الحزب الاشتراكي (حيث كان دستور 1990 يتكون من شراكة حزب المؤتمر وحزب الاشتراكي في الجنوب في حكومة مناصفة بينهم)، بعد ذلك أدار حزب الإصلاح عدة وزارات حساسة ورثها عن الحزب الاشتراكي، ثم أضيفت أربع وزارات ليصبح المجموع 9 وزرات لحزب الإصلاح.
في الفترة من 1994-1997، كان اليمن محكوما بائتلاف حكومي ثنائي مكوّن من المؤتمر الشعبي العام والإصلاح. آمن حزب الإصلاح بالتداول السلمي للسلطة وكان قابلاً نتائج الانتخابات، وقد قبل نتيجة انتخابات الدورة الثانية من عام 1997م، التي حصل فيها المؤتمر الشعبي العام على الأغلبية البرلمانية مما أهّله تشكيل حكومة منفردة دون اللجوء إلى ائتلاف.
استمرت العلاقة بين الحزبين حتى مع حادثة تفجير المدمرة الأمريكية كول في ميناء عدن حين تزوّدها بالوقود في أكتوبر من عام 2000 فقد سببت هذه الحادثة توترا حاداً في العلاقات اليمنية-الأمريكية، أعلنت بموجبه الحكومة اليمنية عن رفضها لهذا العمل وقامت باعتقال كثير من المشتبهين، وقدمت تسهيلات متعددة للمفتشين الأمريكيين للتحقيق مع الاختلاف على طريقة المفتشين للتحقيق في الحادثة. في هذا السياق، جاء رد الإصلاح على حادثة المدمرة الأمريكية كول بلسان رئيس الهيئة العليا الشيخ عبدالله الأحمر، حيث أكد دعمه لسلطة صالح بمكافحة الإرهاب، ووصف الحادث بالعمل الإرهابي.
الحدث السبتمبري وافتراق “المؤتمر الشعبي” عن “التجمع اليمني للإصلاح”
في يوم الثلاثاء الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، ومع كل تلك الدفاعات التي وضعتها أمريكا لتحصين أرضها، تعرضت لأسوأ كارثة قومية في تاريخها، فقد قامت مجموعة من الطائرات المدنية المختطفة بالاعتداء على رموز القوة والهيمنة والسيادة الأمريكية، وإهانة القوة العظمى الأولى في العالم في عقر دارها، وذلك عندما ارتطمت هذه الطائرات الانتحارية ببرجي التجارة العالمي في نيويورك، ووزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون في العاصمة واشنطن، وحدوث تفجيرات بالقرب من وزارة الخارجية مخلفة ورائها خسائر بشرية ومادية ومعنوية فادحة، وحالة من الذعر والخوف لفقدان الأمن والثقة التي كان ينعم بها الشعب الأمريكي، بعد ذلك اتخذت أمريكا كل التدابير الأمنية لحماية نفسها، فقررت شن حرب انتقامية ضد النظام القائم في أفغانستان لأنهم السلطة الرسمية هناك، يؤوي أعضاء تنظيم القاعدة الذين يعتقد أنهم مسؤولون عن الاعتداءات ويرفض تسليمهم والقضاء عليهم.
رد فعل السلطة اليمنية تجاه أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتقارب صالح مع واشنطن
رأت سلطة صالح أن اليمن سوف يخاطر ببقائه واستقراره إذا فشل في كبح جماع الغضب الأمريكي بعد أحداث 11 سبتمبر لذا كان توجه السلطة الرسمية نحو التحالف مع الولايات المتحدة الدولة المهيمنة على المستوى الدولي. عبّر الموقف الرسمي اليمني عن تضامنه واصطفافه مع الولايات المتحدة الأمريكية، فقد قام صالح بإرسال برقية عزاء للرئيس الأمريكي أعرب فيها عن وقوفه مع الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب، بعدها، زار علي عبدالله صالح الولايات المتحدة في شهر نوفمبر 2001م، وكان لقاؤه مع الرئيس الأمريكي جورج بوش ورؤساء الأجهزة ذات العلاقة بمكافحة الإرهاب حيث تناقشوا عن القضايا التي تتعلق بتعاون البلدين. أفاد صالح عن معلومات تشير إلى أن اليمن ستكون هدفاً بعد أفغانستان حيث دارت إشاعات عن وجود ضربة إما (باليمن أو الصومال أو السودان). وقد كانت زيارة علي عبدالله صالح لواشنطن فرصة كبيرة لتقوية نظامه، وإبرام عدة اتفاقيات للقضاء على الإرهاب، استغلها للقضاء على المعارضين في اليمن وتقوية نفوذه المصحوب بالقوة الأمريكية، ولم يلتفت للمكونات الحزبية الأخرى.
كذلك تغيّرت نظرة أمريكا للنظام اليمني، حيث كانت قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر تنتقد اليمن ومسارها الديمقراطي وانتهاك الحريات وحقوق المرأة، وكانت المنظمات الحقوقية تهاجم النظام اليمني لطمسه الحريات واعتقاله صحفيين معارضين، واحتج السفير الأمريكي آنذاك توماس كراجسي حول مسار الديمقراطية باليمن، وكان القلق من الرشاوى والفساد وقضية الوحدة من أبرز المسائل التي تهاجم بها الحكومة الأمريكية نظام صالح، لكن تحولت الأولوية بعد الأحداث إلى محاربة الإرهاب، وكان اجتماع جورج بوش خير دليل على ذلك، فقد ركز على الحرب على الإرهاب ولم يتطرق لمسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير في اليمن، وأسست شراكة يمنية أمريكية لمكافحة الإرهاب والقضاء على أبزر أعضاء القاعدة في اليمن.
استعانت اليمن بالخبرة الأمنية والتكنولوجية للولايات المتحدة، وقدمت تسهيلات لوجستية لملاحقة الجماعات، وبدأت بالسماح لوكالة المخابرات المركزية (CIA)، ومكتب التحقيقات الفيدرالية (FBI) بالعمل في مقر سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في صنعاء، والسماح لهم بالتنقل في مختلف أنحاء الجمهورية وعلى رأسهم السفير الأمريكي السابق ادموند هول للحصول على معونات واستثمارات، ومساعدات اقتصادية أمريكية وقروض من البنك الدولي، وصندوق الدولي، وتحسين صورة اليمن في محاربة الإرهاب.
قامت السلطات اليمنية بزيادة الانتشار الأمني، وتجنيد آلاف الجنود، وأكد وزير الداخلية اليمني الدكتور رشاد العليمي على قوة التعاون الأمني الاستخباراتي الأمريكي اليمني وأنه قُبض على عدد من المطلوبين مثل فواز الربيعي وهو من أخطر العناصر المطلوبة، وقُبض على محمد حمدي الأهدل (أبو عاصم) في أواخر عام 2003، وهو عضو نشط في تنظيم الجهاد الإسلامي وأحد المسؤولين مع شريكه قائد سفيان الحارثي (أبو علي) عن الاعتداء على المدمرة الأمريكية كول ويعدّ حلقة الوصل في تسلم المبالغ المالية التي تأتي من الخارج لتمويل الأنشطة في اليمن وتوزيعها.
أشادت الولايات المتحدة بدور اليمن تصريحات لمسؤولين أمريكيين بعد أحداث الحادي عشر مما دفع نحو مزيد من الخطوات في تحسين العلاقات الأمريكية اليمنية، وقد أعادت مشاريع تنموية للمحافظات النائية وسهلت عودة المساعدات المالية من مؤسسات والبنوك الدولية، ودربت قوات عسكرية يمنية، واستقبلت مجموعة ضباط يمينيين لدراسة التخصصات العسكرية في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد استفادت سلطة صالح أمنيا في أنها عززت من قدرتها وقبضتها.
ردة حزب الإصلاح بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر
كان موقف الإصلاح متوافقاً مع الموقف الرسمي في اليمن أول الأمر، ولكن عندما بدأت الحرب على افغانستان، وتدخلت الولايات المتحدة في اليمن وغزت العراق 2003، خرج موقف الإصلاح من شرنقة موقف السلطة اليمنية ليبدأ التعبير عن رفضه الضربات الأمريكية على أفغانستان وما لحقها من تكهنات قيام حرب على العراق، حيث شجب حزب الإصلاح هذه التوجهات، وخرج الشيوخ من قباب المساجد يدعون لإخراج القوات الأجنبية من المنطقة بمظاهراتشارك فيها ما يزيد عن ثلاثين ألف متظاهر قادها رئيس مجلس النواب اليمني رئيس الهيئة العليا للتجمع الوطني للإصلاح الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ورفعت تلك المظاهرات شعارات منددة بالولايات المتحدة.
وجه الإصلاح أيضاً انتقاداته للحكومة اليمنية لسماحها بتدخل الولايات المتحدة، وقد كان السفير الأمريكي يتجاوز صلاحياته فيشرف على العمليات العسكرية للقضاء على المطلوبين، وتمكن من تنسيق عملية قتل ابو علي الحارثي، أحد زعماء القاعدة في نوفمبر 2002، وأصبح كثير من الناشطين اليمنيين المتهمين بانتمائهم إلى القاعدة هدفا عسكريا فعليا، واعتقل كثير منهم.
أدى فض التحالف مع الحزب الحاكم إلى انتقال حزب التجمع اليمني للإصلاح لصفوف المعارضة وسعيه لإنشاء تحالف مع القوى الأخرى، ففي 6 فبراير 2003، انشئ ما سمي بـ أحزاب اللقاء المشترك، وهو “تكتل لأحزاب المعارضة الرئيسة في اليمن المختلفة أيدلوجياً وتنظيمياً ورؤية سياسية“، يضم مجموعة من الأحزاب من ضمنها التجمع الوطني للإصلاح والحزب الاشتراكي اليمني، والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، والحزب الحق، واتحاد القوى الشعبية. لا يجمع مكونات اللقاء المشترك رابط أيديولوجي موحد ولا انتماء فكري، إلا أنه نجح طوال سنوات من تأسيسه في الحفاظ على تماسك تحالفه في مواجهة حملة هجوم متواصلة من حزب المؤتمر الشعبي الحاكم، فقد اتفقت مكوناته عند تأسيسه على قاسم مشترك واحد هو معارضة الرئيس علي عبد الله صالح ونظامه والتنسيق في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والطلابية.
أخذ الخلاف يزداد اتساعا مع الوقت بين المؤتمر الشعبي واللقاء المشترك، وكانت إحدى القضايا التي عززت هذا الانقسام بين الطرفين هي مطالبة اللقاء المشترك بقانون يلبي مطالب المعارضة بانتخابات عادلة، وتعديلات دستورية للمشاركة بالسلطة. حصلت عدة اعتصامات ومظاهرات حاشدة في العاصمة صنعاء، وفي مدن أخرى من اليمن، واتخذت بعدا عنيفا وسقط قتلى وجرحى من الطرفين وسط خلافات سياسية بين اللقاء المشترك وحزب المؤتمر بخصوص انتخاب المحافظين، وكان اللقاء المشترك يعترض على إعطاء الهيئات المحلية حق انتخاب المحافظين حيث رأت في ذلك تزكية من الحزب الحاكم لنفسه في المجالس المحلية لأنهم يرون أن الحزب المؤتمر العام يسيطر على هذي المجالس، ورأى بعضهم أن النزاهة تقضي انتخاب المحافظين من الشعب مباشرة، وكانت القضايا الخارجية عامل انقسام آخر بين الطرفين، فقد صدر عن أحزاب اللقاء المشترك بيان ذكر فيه أن العالم الذي أدان قتل المدنيين الأبرياء في أحداث الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك وواشنطن لا يمكن له السكوت عن قتل المدنيين الأبرياء في أفغانستان وفلسطين، وشجب القرار الأمريكي المنحاز بضم المنظمات الفلسطينية المقاومة للاحتلال الإسرائيلي إلى قوائم المنظمات الإرهابية، وعدِّ الانتفاضة الفلسطينية إرهابا منظما.
برزت قدرة أحزاب اللقاء المشترك على تجاوز خلافاتها والتنسيق والحشد الجماهيري بصورة واضحة في الانتخابات الرئاسية عام 2006 التي خاضها اللقاء بمرشح واحد هو فيصل بن شملان، فقد نجح الأخير في منافسة الرئيس علي عبد الله صالح، وكسب 25% من أصوات المقترعين في تلك الانتخابات التي وصفها اللقاء بالمزورة، ثم صعّد معارضته للنظام في سبتمبر 2010 بعد فشل حوار تواعد عليه الطرفان في يوليو/تموز من العام نفسه، وقاطعت أحزاب اللقاء في ديسمبر 2010 مشاركتها في البرلمان اليمني.
يمكن تلخيص أثر الحدث السبتمبري أنه فضّ حالة التحالف بين الإصلاح والسلطة، مما مهّد الطريق لتشكل حالة معارضة سياسية منظمة وقوية داخل اليمن، وأدى لربط حركات المعارضة هذه بالقضايا الإقليمية من أفغانستان وحتى العراق. هذه التأثيرات جعلت الشارع اليمني في حالة غليان منتظراً لحظة الانفجار، وهو ما حدث عندما انطلقت شرارة الربيع العربي من تونس.