وقّع حاكم ولاية فلوريدا الجمهوري رون دي سانتيس في مارس ٢٠٢٢ قانون حقوق الوالدين في التعليم والذي يمنع أساتذة مدارس الولاية الحكومية في المراحل من الروضة وحتى الصف الثالث من مناقشة مواضيع تتعلق بالهوية الجندرية والميول الجنسي. أثار هذا القانون – الذي قدمه الجمهوريون دعماً لحق الوالدين بتربية أبنائهم بالطريقة التي يرونها مناسبة – مجتمع الميم فبعد احتجاجات مقابل مبنى الشركة، قررت دزني، عن طريق رئيسها التنفيذي الحالي بوب شابك، اتخاذ موقف علني ضد القانون، وأعلنت عن رغبتها بالتبرع بمبلغ خمسة ملايين دولار لمؤسسة هيومن رايتس كامبين وهي أكبر المؤسسات الحقوقية المدافعة عن حقوق مجتمع الميم في الولايات المتحدة، والتي بدورها رفضت هذا التبرع مطالبة الشركة باتخاذ خطوات جدية ضد القانون.
من جانبها صرحت كيري بيرك رئيس المحتوى الترفيهي في دزني أن الشركة ستقوم برفع نسبة أبطال أفلامها من مجتمع الميم والأقليات العرقية لتكون ٥٠٪. تصدرت المذيعة المحافظة في قناة فوكس ميغان كيلي للرد عليها، حيث أعلنت رفضها إقحام الأطفال في هذه القضية، وأن الأجدر بالشركة زرع قيم سامية بعيداً عن مجتمع الميم والقضايا الجنسية، وحذّرت الآباء والأمهات بأن دزني لم تعد كما كانت في الماضي. وفي السنة الماضية، أنتجت دزني فيلم السنة الضوئية ( Lightyear ) الذي وضع فيه لأول مرة مشهد قبلة بين فتاتين، وبسبب هذا المشهد منع عرض الفيلم في معظم الدول العربية، وانتقدت الدول العربية التي منعت الفيلم بأنها معادية للأقليات وقامعة لأصوات مجتمع الميم.
تدّعي شركة دزني أن دعمها لمجتمع الميم نابع من حرصها على محاربة الكراهية ونشر ثقافة التسامح وتقبل الآخر مهما كان شكله أو هيئته أو ميوله. إلا أن مطالعة إنتاج دزني التمييزي ضد المختلف بالشكل تكشف محدودية هذا الادعاء وعدم اتساقه. إن التفسير السائد لدعم شركات مثل دزني، وكذلك بلانسياجا (Balenciaga) وجوشي (Gucci)، للميول الجنسية الأخرى بأنه نابع من أجندة سياسية ليس دقيقاً. فلم تتعرض دزني لضغط لا تستطيع أن تواجهه، ولهذا أميل للاعتقاد بأن التفسير الأدق هو الميول الجنسية لأصحاب رأس المال. برهان هذا الأمر هو إعلان أحد أحفاد ديزني عن كونه متحولاً، وإعلان المدير التنفيذي السابق كما ذكرنا سلفاً، أيضاً تصريح كيري بيرك حول أبنيها اللذين ينتميان لمجتمع الميم. وإن لم يكن كل أصحاب رأس المال يملكون ميولاً مختلفة ولكن جميع أصحاب رأس المال برغماتيين بالتأكيد، مما يجعله يدعم شريك النجاحات حتى في ميوله الجنسية لضمان استمرارية النجاح والعمل.
ولتوضيح تعاط دزني التمييزي ضد المختلف، سأتناول في هذا المقال طريقة تعامل دزني مع المختلفين في اثنين من أفلامها: الأول هو فيلم الحسناء والوحش (١٩٩١م)، والثاني هو فيلم أحدب نوتردام (١٩٩٦م). وبشكل أكثر تحديداً، سنسلط الضوء على تعاملها مع الفئة التي تعاني من فرط الأشعار (congenital hypertrichosis) والفئة التي تعاني من الحداب (Kyphosis)، وسنرى أن معالجة ديزني لهاتين الفئتين يكشف حدود التزامها بمحاربة الكراهية ونشر التسامح مع المختلف.
نزع الأنسنة عن مفرطي الشعر
تدور أحداث فيلم الحسناء والوحش حول أمير وسيم أناني متكبر يسكن قصراً في الغابة تأتي عجوز طالبة منه اللجوء في قصره مقابل وردة ويرفض بقسوة، تطلب منه ألا يحكم على الأمور بشكلها الخارجي، لكنه لم يأبه لأمرها فتتحول لامرأة جميلة وتحوله لوحش عملاق مرعب، وتعطيه مرآة سحرية مع الوردة التي لو سقطت آخر بتلة منها سيبقى بهذه اللعنة هو وخدم منزله الذين تحولوا لجمادات متحركة، ولن تحل هذه اللعنة إلا إن وجد فتاة تحبه لذاته وجوهره بعيداً عن شكله المرعب.
وعلى جانب آخر في قرية فرنسية هناك فتاة تدعى بيل يشهد أهل القرية بجمالها ولكنها مختلفة عنهم فهي محبة للقراءة والأدب، وأهل القرية يرون اهتمامها بالقراءة أمراً يدعو للغرابة، وكانت تشعر بالغربة كذلك.
أعجب بها أوسم رجال القرية وأكثرهم قوة “قاستون” وقرر أن يتزوجها مع رفضها له لجهله وسطحيته واستهزائه بوالدها المخترع لآلة تقطيع الخشب البخارية. يذهب والدها لأحد معارض الاختراعات ويضيع طريقه فيسقط في قصر الوحش ويعاقبه الوحش على دخوله ويقوم بأسره، فتذهب بيل لإنقاذ والدها وتطلب من الوحش أن تُسجن مكان والدها ويوافق الوحش لأنه وجد فيها الأمل الذي يحل اللعنة.
يعود والدها للقرية ليطلب المساعدة من قاستون ولم يصدقه أهل القرية وأطلقوا عليه لقب المجنون، ويقرر قاستون ابتزاز بيل بوالدها فإما أن تقبل الزواج منه أو يزج بمصح عقلي، وفي هذه الأثناء بدأت بيل ببناء علاقة مع الوحش والتقرب منه وبدأت تحبه، ولأنه أحبها سمح لها أن تذهب لزيارة والدها، فذهبت لتجد والدها مهدداً بالمصح العقلي لأنه يتكلم عن الوحش، ولما أرتهم الوحش بالمرآة السحرية قرروا أن يذهبوا لقتله لأن قاستون شعر بحبها للوحش، وبعد قتال بين أهل القرية والوحش والخدم مات قاستون بعد أن طعن الوحش ليموت الوحش ويعود الأمير الوسيم ليتزوج من بيل.
اقتبس فيلم الحسناء والوحش عام ١٩٩١م عن قصة حقيقية حدثت في فرنسا عام١٥٤٧م، حيث أهدي الملك هنري الثاني كائناً حياً يملؤه الشعر، وهو في الحقيقة إنسان يعاني من فرط الشعر، ولكن لم يكن العالم يعامل هذه الفئة على أنهم بشر بل يعاملونهم على أنهم حيوانات أو وحوش، وكانوا يتهادون البشر الذين يعانون من فرط بالشعر، قام الملك بتعليم هذا الإنسان ليكون نبيلاً، وبعد وفاة الملك تولت زوجته كاثرين الحكم، وأرادت تزويجه من فتاة جميلة لم تكن تعلم من ستتزوج من النبلاء، لم تكن تعلم أنها ستتزوج الوحش- كما أطلقوا عليه-، وطلبت منهم الملكة أن ينجبوا أطفالاً لتعرف إنتاج الوحش إذا تزوج من إنسانة كيف يكون.
أنجبوا طفلين لا يعانون من فرط الشعر غضبت الملكة وطلبت منهم إنجاب أطفال مثل والدهم وإلا سيقتلوا، فانجبوا طفلتين يحملون جينات والدهم فقامت الملكة باستخدامهم استخداماً بشعاً، رسمت الأسرة التي تعاني من فرط بالشعر للترويج لهم ثم اطلقت سراحهم ليكونوا أحرار ذهبوا إلى إيطاليا ليسكنوا عند دوق بارما مدعي أنه مالك الأسرة المتوحشة الجديد.
ويذكر المؤرخ روبورتو سابيري أنهم لم يكونوا أسرى ولم يكونوا أحرارا وتلقوا أموالا مقابل ذلك، قام دوق بارما بإهداء أحدى عشيقاته الكنتيسة دونا ايزابيلا صورة لأحدى الطفلتين حاملة ورقة تشرح قصتها، ولم يكتف بذلك بل قام بعزلها عن عائلتها معطياً إياها هدية للكنتيسة المالكة الجديدة لها، أنجبت والدتها أربعة أطفال يحملون جينات والدهم أُخذوا جميعهم وتوزيعهم على شكل هبات في أوروبا.
وبعد توزيع كل أطفالهم أصبحوا يكتفون بإعطاء لوحات الأسرة كهدايا، حتى أن الدوق كار ستيريا النمساوي بعد أن أهداه أخاه الغير شقيق لوحة الأسرة كتب رسالة يشكره فيها، ويطلب منه صورة لأحد الأبناء وهو عاري. في واشنطن في المتحف الوطني للفنون هناك ألبوم للفنان الرسام الفلمنكي يورس هوفنادل تحت عنوان الحيوانات والحشرات العاقلة في قسم الحشرات وضعت صورة الحسناء والوحش، لا أحد يعرف تاريخ وفاته الحقيقية، إلا أنه اختفى من السجلات بعد عام ١٦١٧م في أثناء تعميد حفيده، ولا وجود لقبور الحسناء والوحش.
صورت دزني الأمير ذا الأخلاق السيئة عندما حلت عليه اللعنة برجل يعاني من فرط بالشعر مضيفة إليه ملامح مرعبة وصوت مرعب، ليتناسب مع لقب الوحش، وما ذلك إلا هجوم على فئة متواجدة حتى يومنا هذا، ففي الولايات المتحدة الأمريكية يعيش لاري قومز وأسرته بمعاناة نفسية بسبب فرط الشعر، وقد عمل لاري في السرك كونه كائنا غريبا، حتى بعد قرون من الحادثة الأصلية تعاني هذه الفئة من التمييز والإقصاء، لم تنصر دزني هذه الفئة مع استمرار معاناتها، بل عملت على تأكيد وحشيتهم وتشييئ هذه الفئة، ولا تطلب هذه الفئة سوى قبولهم في المجتمع كأشخاص طبيعيين يتساوون مع الآخرين.
التقبّل المشروط
اقتبس الفيلم من رواية أحدب نوتردام للأديب فيكتور هيغو عام١٨٣١م، طرحتها دزني بشكل مشابه للرواية العالمية، حيث تدور الأحداث حول قاضٍ ظالم يعمل على إبادة الغجر من باريس، تسبب بموت غجرية لها طفل رضيع مشوه ولإرضاء ضميره قرر تربيته في كاتدرائية نوتردام، اسماه كوازيمودو ابقاه مسجوناً في الكاتدرائية طوال حياته وظيفته الوحيدة دق النواقيس، يتمنى رؤية المدينة من الأسفل ولكن يمنع من ذلك ويكتفي بنحت المدينة بمواطنيها ويعيش بين الأحجار، حتى أتى يوم المهرجين ويقرر النزول للمهرجان بعد إقناع من التماثيل أصحابه، ليفوز بجائزة أبشع رجل بالمدينة ظناً منهم أنه متنكر.
فتساعده المتسببة في مشاركته بعد أن عذبوه في مركز المدينة، أراد القاضي أن يعاقبها على تدخلها ولكن لجأت للكاتدرائية لقداستها وطلب منها قائد القوات أن تطلب اللجوء، ساعدها الأحدب بالهروب من الكاتدرائية بعد وقوعه في غرامها، غادرت معطيه له خريطة لملاذ الغجر الهاربين من القاضي.
بعد معرفة القاضي بذلك هاجم سكان باريس عشوائياً، حتى إنه أمر القائد بحرق منزل أحد السكان لترهيب الناس، رفض القائد فكان مصيره الموت حيث انتهى به المطاف ساقط بالنهر، أنقذته الغجرية وذهبت فيه للأحدب طالبة منه المساعدة، خاصة بعد وقوعها في غرام القائد، وبعد علم القائد والأحدب بنية القاضي بالقضاء على الغجر بملاذهم.
اتحدوا لإنقاذهم ولكن كانوا السبب في الإمساك بالغجر، أطلق الحكم على الغجرية والقائد بالإعدام حرقاً، والسجن في الكاتدرائية مكبلاً للأحدب، فيقرر الأحدب فك الأغلال لإنقاذ الغجرية، ويثور الغجر والقائد على القاضي وجنوده، خاصة بعد كسر قدسية الكاتدرائية، أنقذ القائد الأحدب من الموت وانقذ الاحدب الغجرية من الموت، تنتهي القصة بجمع العشاق الغجرية والقائد وعرض الأحدب كبطل قومي للغجر متقبلينه في هذه المرة باختلافه.
في فيلم أحدب نوتردام تدور أحداث الفيلم ليصل المجتمع لمرحلة تقبل الآخرين، ولذلك يضحي بنفسه أكثر من مرة ليقنعهم بتقبله، وتدرج مراحل التقبل كانت واضحة، ففي البداية تعرض للتعذيب والإهانة فقط لكونه مختلفاً عنهم.
ولكن يختلف الوضع بعد أن لجأت الغجرية إلى الكاتدرائية تعرفت على موهبته في النحت، ثم تحاورت مع وتعرفت على شخصيته الودودة الطيبة، كما رأت قوته الجسمانية في أثناء تهريبها من الكاتدرائية وتسلق جدار الكاتدرائية التحفة المعمارية، بعد كل ما قدمه تقبلته لإيمانها أن عنده خريطة ملاذ الغجر، ففي هذه الأثناء رواد الكاتدرائية كانوا يرفضون رؤيته بمكان الصلاة لقبحه، وألزم الفيلم الأحدب بالاستمرار بالعطاء بشرط قبوله بينهم.
حيث عادت الغجرية إليه ليستمر بالعطاء مقابل تقبلها له، حيث قام بمساعدة القائد الذي أحب الغجرية -والأحدب أحبها قبله-، ليصل لمرحلة تقبله من قبل شخص آخر وهو القائد، الذي بدوره طالب الأحدب بالاستمرار بالعطاء ليستمر بتقبله حيث طلب منه إنقاذ الغجر قبل وصول القاضي لهم.
في آخر الأحداث وصل الأحدب لمرحلة يطلب من نفسه الممثلة بالتماثيل الحجرية الثلاث أن يقدم روحه فداء لتبقى الغجرية على قيد الحياة، وأثناء تقديم روحه فداء ينقذه القائد، ويقدم للمجتمع بطلاً قومياً وأول من أعلنت تقبل المجتمع له طفلة، اختيرت الطفلة لكون فئة الأطفال هي الأصعب بإقناعهم بالمختلف حسب رأيي، وبذلك اقترن العطاء الدائم شرطاً لقبول المختلفين عنا في المجتمع حسب وجهة نظر دزني، فلا يمكن لك أن تكون مختلفاً عنا ولا تقدم للمجتمع شيء وتطلب قبولنا بك، ولكن إن كنت مثلنا ولا تقدم للمجتمع سوى السوء فوجودك مقبول فقط لأنك طبيعي في أعيننا.
أعطت دزني استثناء لمجتمع الميم لم تعطه لغيره من المختلفين. فهي تطالب بتقبلهم دون شروط مع أنها لم تقبل الأحدب إلا بعد أن قدم روحه فداء. وهي تعطي مجتمع الميم الحق في العيش بسعادة، ولكن تستخسر هذه السعادة على الأحدب والوحش، ولا تقبل عزل مجتمع الميم ومعاملتهم بأنهم شيء غريب، ولكن في الوقت نفسه ساهمت بتشييء المعانين من فرط الشعر، الذين يعملون حتى اليوم بظروف عمل سيئة. لم تر دزني أن المختلف يستحق الحب ففي الحسناء والوحش احتاج الوحش لأن يعود إلى هيئة أمير حتى يستحق الحب من الحسناء. وفي أحدب نوتردام، انتهى المطاف بالأحدب لأن يكون مجرد صديق. فشلت دزني مرتين، مرة في عدم الدفع بتقبل المختلف من الفئات الأخرى، ومرة عندما اقتصرت على الترويج لتقبل مختلف من فئة محددة. هذا ما أثبتته مبيعات فيلم السنة الضوئية.