هل من جدوى لمقاطعة الإنتخابات التشريعية؟ مجلس الأمة في الكويت أنموذجًا

أصدر أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح المرسوم ٢٧٦ لسنة ٢٠١٦ بحل مجلس الأمة  الكويتي و الذي تم إنتخابه عام ٢٠١٣ تحت نظام الصوت الواحد الإنتخابي. و قد أعاد هذا المرسوم  إلى الساحة الكويتية جدل المشاركة في الإنتخابات و إنهاء المقاطعة التي أعلنتها الأغلبية النيابية لمجلس فبراير ٢٠١٢. إذا أن ١٩ عضوا من كتلة الأغلبية قررو المشاركة مقابل ١١ شخصا أصرو على الإستمرار في المقاطعة. نظرا لأهمية هذا النقاش عن مقاطعة إنتخابات مجلس الأمة المزمع إقامتها في شهر نوفمبر الحالي سأقوم في هذه المدونة بتحليل الآثار السياسية لمقاطعة المعارضة في الكويت لمجلس الأمة منذ إنتخابات ديسمبر ٢٠١٢ و سأحاول من خلال هذا التحليل الإجابة على التساؤل حول الجدوى من الإستمرار في المقاطعة. سأقسم هذه المدونة إلى ثلاثة أجزاء على أن يعطي الجزء الأول نظرة سريعة إلى جذور و أسباب مقاطعة المعارضة الكويتية لانتخابات مجلس الأمة منذ إنتخابات ٢٠١٢ ديسمبر. أما الجزء الثاني فيغطي بعض الدراسات الأكاديمية المتعلقة بإستراتيجية مقاطعة الإنتخابات الرئاسية و التشريعية  بشكل عام و أثار هذه الإستراتيجية على المتغيرات السياسية المختلفة مثل شرعية النظام السياسي و إمكانية أن تؤدي المقاطعة إلى إنفتاح سياسي في المدى الطويل. و أخيرا سأقوم في الجزء الثالث و الأخير بالإجابة على السؤال “ما الجدوى من الإستمرار في مقاطعة إنتخابات مجلس الأمة؟” من خلال النظر إلى الآثار السياسية المترتبة على المقاطعة.

 

أولا: جذور المقاطعة

لا شك في أن جذور الأزمة السياسية في الكويت عميقة ولا يمكن اختزالها في أزمة حل إلغاء مجلس فبراير ٢٠١٢  التي أفضت إلى المقاطعة إذا أن إختلال المنظومة السياسية في الكويت يعود  إلى خليط من العوامل السياسية و البنيوية التي تتعلق باختلال توزيع الصلاحيات بين السلطات  الثلاثة (التنفيذية و التشريعية و القضائية ) و النموذج الإقتصادي الكويتي الذي أنتج إختلالا في التوازن بين المجموعات الإجتماعية في الكويت (البدو و الحضر و الشيعة) حتى في سياق دولة تتمتع بدخل قومي إجمالي عالي للفرد الواحد. إلا أن تلك العوامل أوسع من موضوع التدوينة التي تنشد الإجابة على السؤال “هل من جدوى لمقاطعة انتخابات مجلس الأمة الكويتي؟” و لذلك سأكتفي بسرد سريع للعوامل والأحداث التي أدت إلى أزمة مقاطعة الإنتخابات منذ ديسمبر ٢٠١٢.

تعود بداية الأحداث إلى حل مجلس الأمة الثالث عشر في تاريخ الكويت و الذي تم إنتخابه في عام ٢٠٠٩ إذا أن ذلك المجلس تم حله بعد سلسلة من الأحداث المثيرة التي تبعت إنفجار فضيحة النواب القبيضة و قد كانت تلك الفضيحة نتيجة لاتهام نواب المعارضة لرئيس الوزراء آنذاك ناصر المحمد بتحويل إيداعات نقدية إلى نواب موالين للحكومة. و قد تم حل المجلس من جراء ضغوط شعبية وصلت إلى ذروتها مع إقتحام بعض المتظاهرين و نواب مجلس الأمة الكويتي المعارضين لمجلس الأمة في ١٦  – نوفمبر-  ٢٠١١ و مع خروج مظاهرة كبيرة بعد أيام معدودة  من إقتحام المجلس للمطالبة برحيل رئيس الوزراء ناصر المحمد. أدت تلك الإحتجاجات إلى سقوط ناصر المحمد بالفعل و الدعوة إلى إنتخابات جديدة لمجلس الأمة في فبراير ٢٠١٢ تحت رئيس الوزراء جديد جابر المبارك الصباح.

تم انتخاب المجلس الجديد على أعقاب حملة إحتجاجية ضخمة كما أسلفت هذا بالإضافة إلى حصول كل هذه الأحداث في سياق الإنتفاضات العربية التي اجتاحت العديد من الدول العربية وعليه فلم يكن اكتساح المعارضة لهذه الإنتخابات مفاجئا إذ أن النواب ذوي الإتجاه المعارض تمكنو من الحصول على ٣٥ مقعدا من أصل خمسين مقعد. شكل هؤلاء النواب المعارضين كتلة برلمانية موحدة تحت مسمى كتلة الأغلبية و لعل المثير في الإهتمام هو التنوع النسبي لهذه الكتلة إذا أنه ضمت نوابا حضر و بدو بالإضافة إلى تنوع خلفياتهم الأيدولوجية بين توجهات إسلامية و ليبرالية و شعبوية مع الغياب الواضح للشيعة عن هذه الكتلة إذ أن النواب الشيعة إبتعدو عن المعارضة بشكل عام منذ أحداث تئبين عضو حزب الله عماد مغنية.

ساد التوتر العلاقة بين المجلس و السلطة التنفيذية منذ البداية حيث أن بوادر التأزيم بين هذين السلطتين كانت واضحة مع الإعلان عن تشكيل الحكومة إذا أن المعارضة أصرت على تسع مقاعد وزارية للمشاركة في الحكومة وهو ما تم رفضه من الحكومة بعد شد و جذب بين الطرفين أدى في النهاية إلى تشكيل الحكومة بدون مشاركة المعارضة باستثناء النائب المعارض شعيب المويزري و مع الأخذ في الإعتبار أن مقاعد رئيس المجلس و نائبه ذهبت بالتصويت للمعارضة (فاز أحمد السعدون برئاسة المجلس و فاز خالد السلطان بمواقع نائب رئيس المجلس و كلاهما من المعارضة). لم تقف الأمور عند هذا الحد إذ أن المجلس شهد العديد من القضايا و التشريعات و الإستجوابات الجدلية. نذكر منها على سبيل المثال قضية إقتحام/دخول مجلس الأمة و التي إتهم فيها ٩ من أعضاء الأغلبية، قضية تشريع المحكمة الدستورية، محاولة التحقيق مع الشيخ ناصر المحمد في قضية التحويلات الخارجية، محاولة تعديل المادة  ٧٩ من الدستور الكويتي وأسلمتها هذا بالإضافة إلى تقديم النواب لثمانية استجوابات في ظرف ثلاثة أشهر. و للتوضيح فإن هذه الإستجوابات لم تقدم فقط من قبل نواب كتلة الأغلبية إذ أن العديد من النواب خارج هذه الكتلة قامو بتقديم إستجوابات و منهم النواب صالح عاشور و حسين القلاف و محمد الجويهل. بالإضافة إلى أنه حتى في حالة الإستجوابات المقدمة من كتلة الأغلبية فقد شابت تلك الإستجوابات حالة من للفوضى تمثلت في التنافس على تقديم نفس الإستجوابات (قضية إستجواب كلا من مسلم البراك و عبيد الوسمي لوزير المالية مصطفى الشمالي) أو الإنفراد بتقديم الإستجوبات بدون تنسيق مع باقي أعضاء كتلة الأغلبية (إستجوابات العدساني و الصيفي مبارك الصيفي). و قد قام الباحث محمد اليوسفي بتوثيق هذه الديناميكيات جيدا في كتابهالكويت: من التحرير إلى الاختلال.
تحت وطأة كل تلك الأحداث و إستقالة كلا من وزير المالية مصطفى الشمالي و وزير الشؤون الاجتماعية والعمل أحمد الرجيب بعض إستجوابات مقدمة من أعضاء كتلة الأغلبية اصدر أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد مرسوم أميري في 18 يونيو يدعو إلى تطبيق المادة ١٠٦ من الدستور و تأجيل إجتماعات مجلس الأمة لمدة شهر. وقع هذا الأمر كالصاعقة على أعضاء كتلة الأغلبية و قبل أن تستطيع الكتلة التخطيط لرد فعل على هذا المرسوم أصدرت المحكمة الدستورية حكما يقضي بعدم دستورية حل مجلس ٢٠٠٩ ردا على طعن تقدمت به المرشحة صفاء الهاشم حيال دستورية حل مجلس 2009 و انتخابات مجلس فبراير ٢٠١٢ التي تبعت هذا الحل. أثار هذا القرار زوبعة من الإنتقادات و ردود الفعل من كتلة الأغلبية في مجلس فبراير 2012 الملغى إذ أن الكتلة أعلنت رفضها لقرار المحكمة الدستورية.

و لم تقف الأمور عند هذا الحد فقد قامت الحكومة بإحالة  قانون الدوائر الخمسة إلى المحكمة الدستورية للطعن في دستوريته نظرا للتفاوت الكبير في الوزن الإنتخابي بين الدوائر و قد كانت حجة الحكومة في تقديم هذا الطعن بعد قرار المحكمة بإلغاء مجلس فبراير 2012 كالتالي بناء على  بيان نقلته وكالة الأنباء الكويتية «استكمالا للخطوات التي تقوم بها الحكومة تنفيذا لحكم المحكمة الدستورية الصادر بتاريخ 20 يونيو (حزيران) 2012 القاضي ببطلان صحة عضوية من تم انتخابهم في 2 فبراير (شباط) 2012، فقد اطلع مجلس الوزراء على نتائج الدراسات والأبحاث التي أجرتها اللجنة الوزارية للشؤون القانونية برئاسة وزير العدل والشؤون القانونية في عدد من جلساتها المتتالية حول مدى دستورية القانون رقم 12 لسنة 2006 بشأن الدوائر الانتخابية لمجلس الأمة، وما أجمعت عليه آراء الفقه والخبرة الدستورية، سواء من بعض الخبراء الدستوريين والمتخصصين من غير الجانب الحكومي أو من مستشاري إدارة الفتوى والتشريع والمكتب الفني بوزارة العدل والأمانة العامة لمجلس الوزراء وغيرهم، الذي انتهى إلى رجحان عدم دستورية القانون رقم 42 لسنة 2006، وأن مآل اللجوء إلى المحكمة الدستورية إن تم هو صدور حكم بعدم دستورية قانون الدوائر الانتخابية، وبما يجعل إرادة الأمة ومصير أي انتخابات مقبلة مزعزعا وغير مستقر، الأمر الذي يستوجب أن تأخذ الحكومة زمام المبادرة لتجنب الدولة ومؤسساتها أي فوضى قانونية أو إرهاق سياسي ناجم عن وضع خاطئ قد يخلق فراغا تشريعيا». إلا أن المحكمة الدستورية رفضت ذلك الطعن المقدم من الحكومة مما دفع الأمير صباح الأحمد في 7 أكتوبر 2012 إلى حل مجلس 2009 المعاد بقرار المحكمة الدستورية و إصدار مرسوم ضرورة بناءا على المادة 71 من الدستور الكويتي بتغييرآلية التصويت في الإنتخابات عن طريق تقليص عدد الأصوات التي يحق للناخب ادلاءها من ٤ أصوات إلى صوت واحد فقط و بذلك تحول النظام الإنتخابي في الكويت من خمس دوائر و أربعة أصوات للناخب إلى خمس دوائر و صوت واحد للناخب. أما الحجة التي إستخدمتها الحكومة لتمرير هذا المرسوم فكانت بحسب المذكرة الإيضاحية للمرسوم بروز “العديد من السلبيات و المثالب المتعلقة بالعملية الإنتخابية التي هددت وحدة الوطن و نسيجه الإجتماعي” و “القضاء على أمراض العصبية الفئوية و مظاهر الإستقطاب الطائفي و القبلي التي تضعف مقومات الوحدة الوطنية و تؤدي إلى فرقة المجتمع و تفتيته و تخل بتمثيل البرلمان للأمة تمثيلا صحيحا”.

كان ذلك القرار بمثابة ضربة قاصمة للمعارضة أو كتلة الأغلبية في مجلس ٢٠١٢ فبراير المنحل التي كانت تشك في نوايا السلطة أساسا إذا أنها أصدرت بيانا بعد حل مجلس ٢٠٠٩ المعاد بقرار من المحكمة الدستورية  لرفض أي محاولة لتغيير النظام الإنتخابي و أتبعت ذلك بعدة ندوات من بينها الندوة الشهيرة التي ألقي فيه مسلم البراك خطابه الشهير الذي خطاب فيه أمير الكويت صباح الأحمد بشكل مباشر قائلا  ” لن نسمح لك باسم الأمة و باسم الشعب أن تمارس الحكم الفردي“. إلا أن كل ذلك لم يمنع السلطة من تغيير النظام الإنتخابي كما أسلفت. كانت تلك الأحداث التي أدت في نهاية الأمر إلى إتخاذ كتلة الأغلبية بالإضافة إلى العديد من الأصوات المعارضة و التيارات السياسي خارج كتلة الأغلبية و حتى العديد من الأصوات القبلية الرائدة في قبيلة العوازم و العجمان لقرار مقاطعة إنتخابات ديسمبر ٢٠١٢ و من الجدير بالذكر أن قرار المقاطعة تزامن مع مسيرات كرامة وطن التي دعى إليها مجموعة من شباب المعارضة. والمثير في الأمر وهو أن مجلس ديسمبر ٢٠١٢ الذى قاطعته المعارض لم يدم طويلا إذ أن المحكمة الدستورية قبلت طعنا مقدما على نتائج إنتخابات ديسمبر ٢٠١٢ استند على عدم دستورية المرسوم بقانون رقم 21 لسنة 2012 بإنشاء اللجنة الوطنية العليا للانتخابات وعدم دستورية المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012، الذي فرض على الناخب اختيار مرشح واحد بدلاً من أربعة من قائمة مرشحي كل دائرة انتخابية (مرسوم الصوت الواحد). إلا أن المحكمة عند قبولها بالطعن أكدت على عدم دستورية مرسوم إنشاء اللجنة الوطنية العليا للإنتخابات و في المقابل أكدت على دستورية مرسوم الصوت الواحد و قد عنى ذلك إلغاء مجلس ديسمبر ٢٠١٢ و الدعوة إلى إنتخابات جديدة في يوليو ٢٠١٣ و لكن تحت نظام الخمس دوائر و الصوت الواحد مجددا و هو الأمر الذي رفضته المعارضة التي فشلت مجددا في إسقاط مرسوم الصوت الواحد مما دعاها إلى مقاطعة إنتخابات مجلس الأمة مجددا. على الرغم من مقاطعة المعارضة رسميا لإنتخابات ٢٠١٣ فوجئت المعارض بقرار بعض من الشخصيات و القبائل المحسوبة عليها المشاركة في هذه الإنتخابات كما سأوضح في الفصل الثالث من هذه التدوينة.

 

ثانيا: الدراسات الأكاديمية حول مقاطعة الإنتخابات الرئاسية و التشريعية

نظرة عامة

يمكن تعريف مقاطعة الإنتخابات بالعزوف عن المشاركة في الإنتخابات التشريعية و الرئاسية لاسباب تتعلق بعدم  الثقة بنزاهة العملية الإنتخابية. يقسم كلا من لندبرج و شدلر مقاطعة الانتخابات إلى ثلاثة أنواع و هي التهديد بالمقاطعة و المقاطعة الجزئية و المقاطعة الشاملة. يكمن الفرق بين المقاطعة الشاملة و الجزئية في أن الحالة الاولى تعني مقاطعة جميع أو أغلب أطياف المعارضة للانتخابات فيما يشارك في المقاطعة الجزئية عدد محدود من القوى السياسية المعارضة. أم الفرق الثاني بحسب بولو فيتعلق بالمطالب المرتبطة بالمقاطعة إذ أن المقاطعة الجزئية غالبا ما تكون مرتبطة بمطالب فئوية في تكون المطالب المرتبطة بالمقاطعة الشاملة أكثر اتساعا و إرتباطا بمسائل مثل عدالة العملية الإنتخابية و السلطة الممنوحة للمجلس الشريعي مقابل السلطة التنفيذية. سأركز في هذه التدوينة على ديناميكية المقاطعة الشاملة إذا أنها ذات صلة بالحالة الكويتية.

يختصر شدلرالسلسلة السببية للمقاطعة في ثلاث خطوات أو عمليات منفصلة. أولا تبدأ العملية بتضاؤل لشرعية النظام الحالي بعد التلاعب المتكرر في العملية السياسية أو الإنتخابية. ثانيا يتولد لدى المعارضة حساب مستقل عن مقدرتها في تشكيل نتائج العملية الانتخابية. ثالثا يتبع ذلك حساب آخر للمعارضة مفاده أن تكتيك الاحتجاج أو الاعتماد على الشارع سيضعف مقدرة النظام الحالي على التلاعب بالعملية الانتخابية و السياسية.  يصف سميث هذه العملية بأنها حساب للخسارة و الربح يتمثل في أن المعارضة عندما تتخذ قرار مقاطعة الإنتخابات فهي تقوم بالمخاطرة بخسارة مقاعدها الإنتخابية/البرلمانية في المدى القصير مقابل أن تحقق مكاسب طويلة المدى في ما يتعلق برفع مستوى عدالة العملية الإنتخابية أو زيادة صلاحية البرلمان أو حتى بدء عملية دمقرطة شاملة للنظام.

بناء على سبق يمكن القول بأن لمقاطعة الإنتخابات أثار سياسية في المدى القصير و البعيد. في المدى القصير تؤدي مقاطعة المعارضة للإنتخابات إلى إنخفاض نسبة مشاركة الناخبين / نسبة الإقتراع في الإنتخابات. أما عن المنطق وراء هذا الإستنتاج أو الإدعاء فيكن اختصاره ببساطة في أن مقاطعة المعارضة للعملية الإنتخابية ستؤدي حتما إلى مقاطعة القاعدة الإنتخابية للمعارضة للإنتخابات أيضا هذا بالإضافة إلى فقدان العملية الإنتخابية جزءا  من شرعيتها  مما يؤدي إلى إنخفاض عام في نسبة الإقتراع في الإنتخابات. و يعد ذلك مؤشرا على نجاح المقاطعة في المدى المباشر أو القصير و يجمع معظم الباحثين اللذين تم ذكرهم في هذه التدوينة على هذا الإستنتاج. أما  الأثر السياسي الآخر في المدى القصير فهو العنف السياسي و إن كان ذلك الأثر غير ذو أهمية لاغراض التدوينة الحالية و على العموم فهذا الأثر يعد مسألة جدلية و غير محسومة.

تختلف الأراء الأكاديمية حول الأثر السياسية للمقاطعة في المدى الطويل ما بين تلك الأراء التي ترى في المقاطعة إستراتيجية تؤدي إلى إنتصار سياسي للمعارضة عبر إنفتاح سياسي أو دمقرطة شاملة أو حتى سقوط للنظام الحاكم بدون أن يتبعه بالضرورة نظام أن أكثر ديمقراطية أو انفتاحا في المدى الطويل مثل بولو و سميث. و تلك الأراء التي تحاجج بأن لمقاطعة الإنتخابات أثر سياسي سلبي في المدى الطويل على فرص المعارضة في المشاركة السياسية يتمثل في تعزيز النظام لسلطويته و إغلاقه لكل مجالات الحرية السياسة المتاحة مثل  ليندبرج .

تحاجج بولو في دراستها التي تغطي جميع الإنتخابات في الدول النامية بين الأعوام ١٩٩٠-٢٠٠٢ و التي تصل إلى ١٣٠ حالة مقاطعة للإنتخابات في تلك الدول  بأن مقاطعة الإنتخابات تؤدي إلى نتائج إيجابية في المدى الطويل لأن مقاطعة المعارضة للإنتخابات قد تؤدي إلى حالة من الجدل الدولي تستدعي تدخل منظمات دولية (مراقبي انتخابات دوليين على سبيل المثال) لمراقبة الإنتخابات التي تتبع تلك التي تم مقاطعتها للتأكد من أن العوامل و التجاوزات التي شابت الإنتخابات التي تم مقاطعتها لن تتكرر في الإنتخابات التالية. من هذا المنطلق ستؤدي تلك المراقبة الدولية إلى تحجيم مقدرة النظام على التلاعب في العملية الإنتخابية مما يؤدي إلى إنفتاح سياسي عام و فرص أكبر لنجاح المعارضة في الإنتخابات. و يتفق سميث مع بولو في مسألة الضغوط الخارجية التي تتولد من جراء مقاطعة المعارضة للإنتخابات في  دراسته التي تغطي الإنتخابات في ١٠٧ من الدول الإستبدادية/الشبه دمقراطية التي أقامت إنتخابات لتشريعية و التنفيذية بشكل محدود بين الأعوام ١٩٨١-٢٠٠٦. إلا أن سميث يرى أن تلك الضغوط قد  تؤدي إلى تغيير النظام و  الوصول إلى الحكم بدون أن يؤدي ذلك إلى دمقرطة بالضرورة. و يضيف أيضا أن ثمة طريقة أخرى تؤدي إلى  تغيير النظام في المدى الطويل  من جراء مقاطعة المعارضة للإنتخابات تتمثل في أن مقاطعة الإنتخابات من قبل المعارضة ستؤدي إلى تآكل شرعية النظام بشكل مستمر مما سيضطر النظام إلى التلاعب في الإنتخابات بإستمرار للبقاء في السلطة أو الرضوخ و القيام بإصلاحات جدية. في الحالة الأولى يستطيع النظام الإستمرار إذا كان ضعيفا في الإستمرار مع التآكل المستمر لشرعيته أم في الحالة الثانية فإن قيام النظام بإصلاحات جدية سيعني حتما فتح المجال أمام وصول المعارضة للحكم.

مقابل هذه النظريات التي ترى أن مقاطعة المعارضة للإنتخابات في المدى الطويل إستراتيجية فعالة يرى ليندبرج في دراسته لمقاطعة الإنتخابات في الدول الأفريقية بين الأعوام ١٩٩٠-٢٠٠٣ أن لمقاطعة المعارضة للإنتخابات أثرا سلبيا يتمثل في تمكن النظام من تعميق حالة الإستبداد إذ أن دراسته توضح أنه في حالة الأنظمة الإستبدادية التي لم يتم إصلاحها وصلت نسبة مشاركة المعارضة في الإنتخابات التي سبقت تعميق حالة الإستبداد إلى ٥٤% فقط. في المقابل تصل نسبة مشاركة المعارضة في الإنتخابات التي سبقت تحول النظام إلى نظام ديمقراطي إلى ٩٢%. و يعود منطق ليندبرج إلا أن فشل المعارضة في تقديم نفسها كبديل للنظام من خلال حراك خارج المنظمة الإنتخابية غالبا ما يشجع النظام على إغلاق مجال الحرية بشكل أكبر و تعميق حالة الإستبداد لمنع أي تحرك مستقبلي للمعارضة.

 

الإطار النظري

يظهر من خلال هذه النظرة السريعة إذن أن الدراسات المتعلقة بالمقاطعة لا تتفق فيما بينها إلا عندما يتعلق الأمر في أثرها على إنخفاض نسبة مشاركة الناخبين / نسبة الإقتراع في الإنتخابات. أما في المدى الطويل فلا تصل هذه الدراسات إلى نتيجة موحدة. إلا أنه من الممكن الإعتماد على هذا الدراسات لتكوين إطار نظري ملائم بما فيه الكيفية لتحليل آثار مقاطعة المعارضة لانتخابات مجلس الأمة الكويتي منذ ديسمبر ٢٠١٢. و سيمكننا هذا التحليل من الحكم على الجدوى من هذه المقاطعة. أولا يمكن إختصار إمكانية نجاح إستراتيجية  المقاطعة في عاملان أساسيين الضغوط الخارجية أو تاكل شرعية النظام مما يؤدي إما إلى تغيير النظام من جراء ضغوط المعارضة خارج إطار العملية الإنتخابية أو إدراك النظام لضعفه و قيامه بإجراء إصلاحات من شأنها فتح المجال أمام دخول المعارضة إلى البرلمان أو الوصول إلى سدة الحكم. و لا نتحدث هنا عن أخلاقية إستراتيجية الضغوط الخارجية إذ أن ذلك موضوع أخر لا مجال للنقاش فيه في هذه التدوينة فالحديث هنا عن أثر الضغوط الخارجية على نجاح مقاطعة الانتخابات بناءا على الدراسات الأكاديمية. أما الدراسات التي تؤكد على فشل إستراتيجية مقاطعة الإنتخابات فتركزعلى فشل المعارضة في محاولته للإصلاح خارج إطار العملية الإنتخابية مطلقة بذلك يد النظام لتضييق مجال الحرية و الحركة المتاح أمام المعارضة. سيستند تحليلي لآثار و جدوى الإنتخابات في الكويت إلى هذه العوامل و هي بإختصار الضغط الخارجي و درجة تنظيم/ قوة المعارضة و ردة فعل النظام التي تعتمد على قوة النظام و بناءا عليها سأقوم بالمحاولة على الإجابة على الأسئلة التالية في الجزء الثالث من التدوينة:

١. هل نجحت المقاطعة في الكويت في المدى القصير ؟

٢. هل تم تحويل هذا النجاح في المدى القصير إلى ضغط حقيقي للإصلاح في المدى الطويل خارج إطار العملية الإنتخابية؟

 

ثالثا: الجدوى من مقاطعة إنتخابات مجلس الأمة الكويتي

يمكن وصف مقاطعة إنتخابات مجلسي ديسمبر ٢٠١٢ و ٢٠١٣ بالمقاطعة الشاملة إذا أنها اشتملت على طيف واسع من الحركات السياسية و الغالبية الساحقة من المعارضة و حتى إذا أخذنا في الإعتبار مشاركة بعض المقاطعين لإنتخابات ديسمبر ٢٠١٢ في إنتخابات ٢٠١٣  فإن الغالبية المعارضة ظلت مقاطعة.

 

المدى القصير

إن أفضل طريقة لتقييم مدى نجاح مقاطعة إنتخابات ديسمبر ٢٠١٢ و ٢٠١٣ في المدى القصير هي النظر إلى تأثيرها على نسبة مشاركة الناخبين / نسبة الإقتراع في الإنتخابات. بناءا على الطاولة في الأسفل يمكننا أن نلاحظ أن نسبة المشاركة في الإنتخابات الكويتية انخفضت بالتدرج تاريخيا منذ أعلى نسبة لها في إنتخابات ١٩٦٢ للمجلس التأسيسي إلا أن النسبة استقرت عند ما يقارب الستون في المئة في الثلاث الإنتخابات التي سبقت المقاطعة (٢٠٠٨ و ٢٠٠٩ و فبراير٢٠١٢) أما في إنتخابات ديسمبر ٢٠١٢ فقد إنخفضت النسبة إلى ما يقارب الأربعون في المئة و وهو ما يؤكد نجاح المقاطعة في خفض نسبة المشاركة في الإنتخابات بدرجة ملفتة . أما إنتخابات ٢٠١٣ فقد شهدت تحسنا نسبيا في درجة المشاركة إذا إرتفعت النسبة من ٤٠.٣٠% إلى %٥١.٩٠ و على الرغم من أن هذا الإرتفاع في نسبة المشاركة  في ٢٠١٣ إلا أن النسبة أقل من إنتخابات فبراير ٢٠١٢ التي سبقت المقاطعة إذ أن النسبة في تلك الإنتخابات قرابة الستين في المائة و ذلك يعني أن المقاطعة على الرغم من تآكلها إستطاعت أن تمنع نسبة المشاركة من الوصول إلى  نسبة ما قبل المقاطعة. و تعود إرتفاع نسبة المشاركة إلى  سببان رئيسيان. الأول هو قناعة بعض النواب و قواعدهم بأن المحكمة حصنت مرسوم الصوت الواحد و حتى لو كان هنالك إختلاف  مع حكم المحكمة الدستورية فإن ذلك لا يمنع إحترام هذا الحكم و الرضوخ له امتثالا لاستقلالية القضاء و عدم التشكيك في شرعيته و قد عاد على سبيل المثال كلا من النائب رياض العدساني و مرزوق الغنيم إلى المشاركة في إنتخابات مجلس الأمة على هذا الأساس. أما السبب الثاني فهو عودة بعض القبائل المقاطعة إلى المشاركة في الإنتخابات و على رأسها قبيلة العوازم التي تأثرت بالمصالحة بين شيخ قبيلة العوازم فلاح بن جامع و الأمير و السلطة.

 

الفصل التشريعي سنة الإنتخاب نسبة المشاركة بالتصويت
المجلس التأسيسي ١٩٦٢ %٩٠
الأول ١٩٦٣ %٨٥
الثاني ١٩٦٧ %٦٧
الثالث ١٩٧١ %٥٢
الرابع ١٩٧٥ %٦٠
الخامس ١٩٨١ %٩٠
السادس ١٩٨٥ %٨٥
السابع ١٩٩٢ ٨٣ %
الثامن ١٩٩٦ %٨٢
التاسع ١٩٩٩ %٨١
العاشر ٢٠٠٣ %٨٠
الحادي عشر ٢٠٠٦ %٧٧
الثاني عشر ٢٠٠٨ %٦٠
الثالث عشر ٢٠٠٩ %٥٨
 الرابع عشر -المبطل فبراير  ٢٠١٢ %٥٩،٦٠
الرابع عشر – الملغى ديسمبر ٢٠١٢ %٤٠،٣٠
الرابع عشر ٢٠١٣ %٥١.٩٠

 

المدى الطويل

سأعتمد في تحليلي لتأثير مقاطعة مجلس الأمة الكويتي و مدى نجاحها في المدى الطويل على الثلاث العوامل التي ذكرتها في نقاشي للإطار النظري للمقاطعة و هي الضغط الخارجي و درجة تنظيم/ قوة المعارضة و ردة فعل النظام.

لنأخذ مسألة الضغط الخارجي يمكن القول أن المقاطعة في الكويت لم تؤدي إلى أي تدخل أو ضغوط خارجية على النظام و الحكومة في الكويت. فعلى سبيل المثال باستثناء بعض التقارير الدورية من بعض المنظمات الغربية عن حقوق الإنسان في الكويت لم تكن هناك أي ضغوط جدية على النظام في الكويت و حتى تقارير وزارة الخارجية الأمريكية عن حقوق الإنسان في الكويت على الرغم من تطرقها لبعض الإعتقالات و التجاوزات ضد حرية التعبير و التجمع السياسي في الكويت فإنها عند حديثها عن الإنتخابات في الكويت وصفت كل من إنتخابات ديسمبر ٢٠١٢ و ٢٠١٣ بالحرة والعادلة و هي مسألة تتوافق عليها معظم المنظمات الدولية. و يعود ذلك إلى أن الجدل حول النظام الإنتخابي في الكويت لا يتمحور حول تلاعب النظام في الإنتخابات بالمعنى التقليدي عن طريق تزوير هذه الإنتخابات (حشو أو إبطال أو تدمير صناديق الإقتراع على سبيل المثال) إذا أن تلك السياسات من شأنها أن تستدعي قلقا دوليا على سلامة العملية الإنتخابية بل يعود الجدل بالأساس إلى صراع بين السلطة التشريعية و التنفيذية حاول أحقية سن و تغيير القوانين الإنتخابية حيث أن المعارضة ترى أن مجلس الأمة هو الجهة الوحيدة المخولة بتغيير القانون الإنتخابي في الكويت بينما ترى السلطة التنفيذية أن لها أيضا الحق في تغيير هذا القانون و قد فعلت ذلك سابقا في السبعينات بطرق غير دستورية بينما إستخدمت المادة ٧١ من الدستور  في ٢٠١٢ لتمرير تغيير النظام الإنتخابي عن طريق مرسوم ضرورة. و قد حاولت المعارضة جلب الإنتباه إلى تجاوزات السلطة ضد الحرية العامة و الإعتقالات السياسية و تدويلها بدلا من التركيز على مسألة النظام الإنتخابي فقط فقامت على سبيل المثال بالاجتماع في ديوان أحمد السعدون لتدويل إنتهاكات السلطة التنفيذية في المنظمات العالمية إستناداً للإتفاقيات والمعاهدات التي وقعت عليها الكويت. إلا  أن هذه الخطوات لم تجدي نفعا و لم تلاقي أي صدى دولي يذكر. و حتى الضغط الإقليمي المتمثل في رياح الربيع العربي لم يجدي نفعا فعل الرغم من أهمية هذا العامل في نجاح الاحتجاجات ضد ناصر المحمد في ٢٠١١ كما أسلفت سابقا في هذه التدوينة إلا أن الموجة العكسية التي إجتاحت العالم العربي متمثلة في قمع الأنظمة العربية للربيع العربي بطريقة وحشية و سقوط العديد من الدول العربية في براثن الصراعات الإقليمية و الأهلية و عسكرة الأنظمة خفضت من وهج الربيع العربي و جعلته عاملا غير ذو جدوى.

أما فيما يتعلق بقوة و درجة تنظيم المعارضة فإن الشواهد تشير إلى ضعف المعارضة نظرا إلى تشتتها وعدم توحدها منذ تكونها في مجلس فبراير ٢٠١٢ تحت مسمى كتلة الأغلبية. فالكتلة اتسمت بعدم التنظيم و التنافس في تقديم الإستجوابات كما أسلفت في الجزء الأول من التدوينة. و لم تتوقف الأمور عند هذا الحد إذ أن الكتلة على الرغم من توحدها مؤقتا بعد إلغاء مجلس فبراير ٢٠١٢ عانت من التخبط في تحديد أولوياتها السياسية و الإجتماعية و لم تقف الأمور عند هذا الحد إذ أن الإختلاف حول إستراتيجيات مواجهة السلطة التنفيذية كان واضحا أيضا. و قد كان هذا الإختلاف أيضا بينا في ما بين الحركات المعارضة خارج إطار كتلة الأغلبية في مجلس فبراير ٢٠١٢ الملغى.   يعطي الدكتور في جامعة الكويت حمد البلوشي بعض الأمثلة المهمة عن هذه الإختلافات في دراسة غير منشورة له. أولا كان الإختلاف بين التكتلات الإسلامية من جهة و التكتلات اليسارية و الليبرالية و الشعبية واضحا في أكثر من مناسبة في كلا من كتلة الأغلبية و المعارضة خارجها. فقد رفض على سبيل المثال التجمع السلفي مطالبات كتلة الأغلبية بإصلاح شامل للنظام السياسي في الكويت يؤدي إلى نظام برلماني شامل و رئيس وزراء من خارج ذرية الصباح. و كذلك عبرت القوى الإسلامية السلفية والمنتمية إلى تيار الإخوان المسلمين عن رفضها لاعتصام و مبيت النساء في ساحة الإرادة ليلة إفتتاح مجلس ديسمبر ٢٠١٢ في مثال أخر لهذه الإختلافات. و لم تقف الإختلافات عند هذا الحد إذ أن إئتلاف المعارضة الذي تم تكوينه في ٢٠١٣ واجه بعض المصاعب في توحيد صفوفه و بدا  ذلك جليا عند تقديم الإئتلاف للصيغة النهائية لمشروع الإصلاح السياسي الوطني في ٢٠١٤ فقد رفض التيار التقدمي الكويت أحد المشاركين في تأسيس التيار المشاركة في ٢٠١٣ المشاركة في المكتب السياسي لإتلاف المعارضة مصدرا البيان الصحفي التالي لتوضيح تحفظاته على المشروع ” «الاتفاق مع الوجهة العامة للمشروع لا يمنع من القول إنّ لدينا ملاحظاتنا وتحفظاتنا حول بعض نقاطه، أبرزها تحفظنا على استغلال الدين لأغراض سياسية في خطاب المعارضة، وعدم النص بوضوح في المشروع على الطابع المدني للدولة واحترام الحريات الشخصية، وكثرة المواد المقترح تنقيحها في الدستور، بما في ذلك المتصلة بأمور غير أساسية، واعتراضنا على استحداث المشروع آلية الاستفتاء العام في إقرار الدستور، التي طالما عبثت بها الأنظمة العربية».

و قد إتسعت الخلافات لتشمل حركة حشد أو حركة العمل الشعبي التي تم تأسيسها في عام ٢٠١٤ كامتداد لكتلة العمل الشعبي البرلمانية المعروفة بانتماء كل من مسلم البراك و أحمد السعدون أحد أبرز رموز المعارضة  تاريخيا لها. فقد بات من الواضح أن ثمة خلاف يقع تحت السطح بين كلا من أتباع أحمد السعدون و مسلم البراك حول إستراتيجية مواجهة الحكومة و بعض المسائل الأخرى مثل سحب جنسية الصحفي المعروف و عضو حشد سعد العجمي. كل هذا الأمثلة توضيح ضعف تنظيم المعارضة و عدم توحدها في مواجهة السلطة.

و أخيرة نتطرق إلى العامل الأهم و وهو رد فعل الحكومة إزاء تحركات المعارضة و مقاطعتها للإنتخابات. يمكن تقسيم رد فعل الحكومة على تحركات المعارضة إلى جزءان و هم: رد فعل السلطات على تحركات المعارضة خارج إطار البرلمان للضغط على الحكومة و إستخدام مجلس الأمة الموالي للحكومة لتمرير قوانين من شأنها إغلاق المجال العام أمام المعارضة و لا يعني ذلك أن هذا الجزءان منفصلان إذ أنهما مترابطان بدرجة كبيرة كما سأوضح. أولا إستطاعت الحكومة أن تفشل جميع اعتصامات و مظاهرات المعارضة و بات ذلك واضحا في مسيرات كرامة التي أنتهت في جميع الحالات بقمع رجال الأمن لتلك المظاهرات بالقوة و إعتقال العديد من الشخصيات المنظمة لتلك المسيرات مثل مثل أنور الفكر وعبدالله الرسام وأحمد رشيد البدر والأخوين خالد وراشد الفضالة وفهد القبندي وعباس الشعبي. و قد كان الإستثناء الوحيد لذلك هو المسيرة الثالثة التي تم التصريح لها من قبل الحكومة. و قد قامت الحكومة عن طريق جهاز أمن الدولة  بتوجيه عدة تهم بالمساس بالذات الأميرية لعدد من نواب مجلس فبراير ٢٠١٢ مثل خالد الطاحوس و بدر الداهوم و فلاح الصواغ الذين حكم عليهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات إلا أنهم استطاعو النفاذ من هذا الحكم بعد قبول استءنافهم في القضية. و لعل الحدث الأبرز في هذا السياق كان الحكم بالسجن على أبرز قادة كتلة الأغلبية في مجلس فبراير ٢٠١٢ الملغى مسلم البراك فقد قضت محكمة الاستئناف بحبس البراك سنتين مع الشغل بتهمة المساس بالذات الأميرية (على خلفية خطاب لن نسمح لك الشهير) بعد  صراع خاضه البراك مع السلطات أدى في النهاية إلى أدى إلى تخفيف الحكم الأصلي من خمس سنوات الى سنتين. هذا بالإضافة إلى إعتقال العديد من المغردين في قضايا تتعّلق بالمساس بالذات الأميرية والعديد من التهم المتعلقة بأمن الدول مثل إذاعة الأخبار الكاذبة والتحريض على قلب نظام الحكم. ناهيك عن قضايا سحب الجناسي التي رأت المعارضة أنها قضايا سياسة موجهة نحو شخصيات مقربة لها مثل النائب السابق عبدالله البرغش و الصحفي و الاعلامي سعد العجمي المقرب من كتلة العمل الشعبي و مدير قناة اليوم القريبة من المعارضة أحمد الجبر. لكن المثير في الأمر هو أن مجلس ٢٠١٣ الذي يغلب عليه الطابع الموالي للحكومة بشكل شبه تام لعب دورا مساندا للحكومة في توجهها نحو الحد من ضغط المعارضة السياسي على الحكومة خارج إطار مجلس الأمة إذ أن مجلس ٢٠١٣ كان مسئولا عن إصدار العديد من التشريعات المثيرة للجدل التي من شأنها تضييق مجال الحرية السياسة و حتى بعض التشريعات التي وصفت بحمل نفس إنتقامي من وجهة نظر المعارضة. نذكر منها على سبيل المثال و ليس الحصر قانون تنظيم الإتحادات الطلابية و قانون الإعلام الإلكتروني و قانون تمديد الحبس الإحتياطي  و التي تم التصويت لها بأغلبية ساحقة. كل هذا الخطوات أدت  إلى إضعاف المعارضة و تشتيتها و إلى تقليص مقدرتها على الحراك السياسي والضغط على الحكومة.

 

الخاتمة

نستنتج مما سبق أن المقاطعة لم تنجح في المدى الطويل في الضغط على النظام و أن العوامل التي تم الحديث عن أهميتها لإنجاح المقاطعة لم تكون متوفرة في الكويت. فالضغوط الخارجية سواءا كانت دولية أو إقليمية شبه معدومة أو غير ذات جدوى و المعارضة منقسمة بشكل كبير حول الأولويات و الإستراتيجيات و حتى الأهداف و قد مكن ذلك الحكومة من تحجيم المعارضة و أي أثر يذكر للمقاطعة التي لم تنجح في النهاية إلا بشكل محدود جدا في المدى القصير (من ناحية خفض عدد الناخبين المشاركين في إنتخابات مجالس ديسمبر ٢٠١٢ و ٢٠١٣). و قد أدى ذلك إلى إنسداد الأفق أمام المعارضة إذا أن التوازن و الكفة إنحرفت بشكل شبه تام في صالح السلطة التنفيذية و لم يعد أمام  المعارضة أي مساحة جدية لمحاولة الإصلاح و الضغط خارج إطار المؤسسة التشريعية لا بل بات من الواضح للمعارضة أن غيابها عن المؤسسة التشريعية فتح المجال أمام إستخدام مجلس الأمة بطريقة من شأنها تضييق مساحة الحرية و الحد من تحركاتها مستقبلا. لعل ذلك ما دعى العديد من أعضاء كتلة الأغلبية إلى المشاركة في إنتخابات ٢٠١٦ التي تم الدعوة إليها بعد أن حل أمير الكويت مجلس ٢٠١٣ بشكل مفاجئ في  يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول.

 

‏3 تعليقات

شاركنا بتعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *