الحرب على غزة: الغرب والديمقراطية وتهافت النقد العربي

عمر العبدلي

كاتب المقالة

عمر العبدلي

باحث وكاتب سياسي من الكويت

فجرت الحرب على غزة نقاشاً عربياً عاماً ناقداً للغرب وقيم حقوق الإنسان والعدالة وغيرها مما يتبناه جلّ الساسة الغربيين. في خضم هذا النقاش وجه عدد غير قليل نقدا خاصا للديمقراطية لعل أبرزهم الكاتب عوني بلال، فقد خصص عددا من كتاباته في برنامج إكس لهذا. لعل أوضحها ما كتبه في مقالة عنوانها “ديمقراطية حول المذبحة“، دعا فيها لإعادة التفكير في الديمقراطية. في هذه المقالة أبين أن جوهر الدعوة التي تقدم بها وعموم الناقدين للنظام الديمقراطي باطلة، لسببين وهما: ربط الأخلاقي بالسياسي، وقصور الفهم في آليات العمل في الديمقراطيات.

إن أولى خطوات نقد هذا النقد العربي للديمقراطية يكمن في تقديم مقولات الناقدين للنظر فيها وفحصها. فعلى سبيل المثال حاجّ عوني في مقالته أن الديمقراطية المخوّلةِ جنوبَ إفريقيا دعمَ غزة هي ذاتها التي خولت الولايات المتحدة الأمريكية دعم إسرائيل. إن نقد عوني هنا يشير إلى حقيقة واضحة، هي أن السياسة الخارجية في الدول الديمقراطية يمكن أن تكون مختلفة اختلافا جذريا فيما بينها وأن المعيار الأخلاقي الذي يتقدم به لا يفسر مواقف الديمقراطيات المتعارضة. فيصبح سؤاله الذي طرحه هذا غريبا وبلا معنى “ألا تستوجب المجزرة الغزاوية مراجعة نقدية لمجمل الفكرة الديمقراطية؟”. 

لعل أسهل طريقة لبحث هذا الإشكال تكمن في استحضار مثالي أمريكا وجنوب إفريقيا. فيبين المثال أن اتخاذ موقفين متناقضين من الحرب على غزة في دولتين يشتركان في ذات النظام السياسي يؤكد أن الديمقراطية ليست عاملاً حاسماً في اتخاذ سياسة خارجية ما. فلو كانت كذلك لما رأينا دولاً ديمقراطية كجنوب إفريقيا وإسبانيا وإيرلندا تتخذ مواقف متناقضة مع دول ديمقراطية أخرى مثل أمريكا وإنجلترا وفرنسا. يبدو أن هذا المثال يوضح حقيقة جليّة لم يتعامل معها الكاتب جيدا وهي انتفاء قدرة العامل الديمقراطي على تفسير الاختلاف بين هذه الانظمة الديمقراطية وأن إفراد مقالة في هذا الخصوص موقف عقيم لا معنى له. بل إن تفسيرات أخرى مثل عدّ الغرب حضارة ومجتمعاً بشرياً متجانساً يفشل هو الآخر في قدرته على تفسير هذا الاختلاف أيضا في مجتمعات تشترك في أنها ذات أغلبية دينية مسيحية تنتمي إلى حضارة غربية. إن فشل تفسير مواقف بعض الدول الغربية الديمقراطية من العرب موضوع يستحق البحث، وتقديم تفسيرات مثل صراع الحضارات أو عطب في أنظمة سياسية لم تدعِ حياد سياساتها الخارجية هو جهل مركب. 

إن النظر في عوامل أخرى مثل تتبع استطلاعات الرأي في تلك الدول ومدى تأثير الحرب في قرار الناخبين في التصويت يفيد في فهم أسباب مواقف تلك الدول. ففي أمريكا مثلاً تبيّن الأبحاثُ التأثيرَ الطفيف للحرب على قرار الناخبين، أيّ أن الموقف من الحرب ليس بعامل حاسم لدى أغلبية الناخبين الأمريكيين عدا ولاية واحدة وهي مشيغان التي يشكل المسلمون فيها كتلة تصويتية مرجحة في الولاية. وهذا ما تعرفه مؤسسات الضغط الإسرائيلية جيدا، لذا تقدم دعماً مالياً كبيراً لمرشحين مناصرين لإسرائيل على مرشحين معارضين لها للتأثير في مخرجات الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وهو ما نتج منه مؤخرا سقوط نواب ديمقراطيين معارضين للحرب لعل أبرزهم النائب جمال بومان.

إن النظام الديمقراطي لا يتعدى كونه نظام سياسي يحدد آليات تطبيق سياسات محددة مثل اختيار المسؤولين والقدرة على إستبدالهم عبر الانتخابات، وليس نظاماً يفرض سياسات دون غيرها. دائما ما ينتهي السؤال الخاطئ بإجابة خاطئة فلربما أصبح من الواجب البدء بمراجعة اسئلتنا عوضاً عن القفز إلى الاستنتاجات.

شاركنا بتعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *